الأربعاء، 13 ديسمبر 2023

المسرح

 


هل سمعتم يوما عن لعبة قديمة تدعى ((المسرح))؟

لا أظن هذا. ربما لأن الكثيرين يقولون إنها غير موجودة أصلا.

المسرح أو The Theater هي لعبة قديمة تم إصدارها في نفس زمن إصدار لعبة Doom. إن عثرت عليها اليوم، لن تجدها سوى على أقراص CD-ROM مقرصنة، وفي أغلب الأحيان لا تحتوي حتى على اللعبة.

يقال أن النسخ الأصلية تحمل غلافا فارغا لا يحمل إلا رسم إنسان أُطلق عليه اسم ((محصّل التذاكر)). هو ببساطة رجل أبيض أصلع، وله شفاه حمراء كبيرة ويرتدي سترة حمراء على قميص أبيض وسروال أسود. لا يحمل تعابيرا على وجهه، وإن قال البعض إنه إذا ضَربتَ القرص ونظرت إلى الغلاف من جديد فسيظهر عليه الغضب، ولكن لا أساس لهذا الكلام. الأمر الغريب هو أن غلاف اللعبة لا يحمل اسم المطوّر أو وصف اللعبة في أي مكان. لا يظهر سوى محصّل التذاكر على خلفية بيضاء على الجانبين.

اشتهرت اللعبة في البداية باستحالة تثبيتها بشكل صحيح. يتجمد الحاسوب ما إن تصل عملية التثبيت إلى شاشة الترخيص والموافقة. الغريب أيضًا في إعلان الترخيص أن الاسم الشركة المطوّرة لا يظهر فيه أيضا، بل أن مكان الاسم فارغ. ولكن يقول من زعموا امتلاكهم لإحدى النسخ الأصلية أنهم اكتشفوا الطريقة الصحيحة لتثبيت اللعبة، وذلك بإعادة تشغيل الجهاز حالما يصل لاتفاقية الترخيص وترك القرص بالداخل. ثم يضغطون على زر الموافقة عند بدء التشغيل ويواصلون التثبيت.

الثلاثاء، 28 نوفمبر 2023

تلك الليلة في المرآة

 

سأخبركم من الآن أن قصتي لن تفضي إلى أي ذروة دراماتيكية أو جواب نهائي. وإن أملتم بخاتمة لا تزعجوا أنفسكم بقراءتها. حدثت قصتي في لحظة واحدة من حياتي. حاولت أن أتجاهلها قدر استطاعتي أو أقول أنها خدعة من عقلي الذي كان مرهقا أو دخل في هفوة إلى مخاوفي الطفولية، ولكنني لم أقدر.

أعتقد أن الخوف من المرايا شائع في يومنا هذا. أتذكر في طفولتي أنني رأيت أحد برامج الرعب على التلفزيون، التي تعرض بضع قصص قصيرة في الحلقة الواحدة. أتذكر البرنامج الآن ولا أراه بذاك الشيء المرعب، وإذا رأيته اليوم فربما سأدعو أصدقائي لنسخر من سخافة التمثيل أو القصة.

كل ما أتذكره من المسلسل هو قصة رجل يعاني العذاب من سفاح مجنون، لكنه لا يراه إلا عندما ينظر في المرآة. كانت الحلقة عبارة عن قصة طويلة حول الرجل الذي يلمح السفاح في المرآة خلف ظهره، ثم يلتفت ولا يرى شيئًا.

الثلاثاء، 14 نوفمبر 2023

عيون مرهقة

 


كان عمري خمسة عشر عامًا عندما حدث هذا. كانت أختي في الخامسة من عمرها، وفي عيد ميلادها الخامس تلقت دمية من النوع الذي يشبه صاحبها. كانت دمية عادية بنفس طول أختي وشعرها الأحمر والنمش، حتى أن ثيابها مطابقة.

الشيء الوحيد الغريب كان عيناها. كانت عيون أختي غريبة، زرقاء مع بقع بنية قرب البؤبؤ. كنت أغيظها بأن شكل عينيها يبدو مثل مرحاض يطفو فيه البراز. لم أر يومًا أي أحد بعيون كهذه، لكن الدمية طابقتهما تمامًا. لا أذكر من أعطاها الدمية، لكنني أيا كان فقد استغرق وقتًا ليطلي العيون فهذه الدقة.

فتحت أختي الهدايا، وبدأت هي وأصدقاؤها باللعب ولبس الثياب وغيرها من أعمال الأطفال. لم أرغب أن أعلق في مهمة مجالستهم، فتسللت إلى غرفتي وأغلقت الباب. كنت منغمسا في قراءة قصة مخيفة، ثم سمعت صرير الباب وهو يفتح. بطبيعة الحال، وبالنظر إلى ما كنت أقرأه، جفلت واستدرت على الفور. وجدتُ دمية أختي جالسة بين الباب شبه المغلق وإطار الباب. لربما شعرت بالخوف لو لم تكن هناك عصابة من الأطفال الصغار في المنزل، لكنني متأكد أن أحدهم (أو جميعهم) قد وضعها هناك كمزحة. أنزلت الدمية إلى غرفة المعيشة. لم أرها لبضعة أشهر أخرى، فيما عدا المرات حيث تحملها أختي معها باستمرار وتروي مختلف القصص عنها.

 

الثلاثاء، 31 أكتوبر 2023

الحذاء في قاع النهر

 

حدث هذا قبل بضع سنوات. مررت بطلاق قاسٍ من زوجتي التي كانت حبيبتي في الثانوية، وحاول أعز أصدقائي (لنسميه آل) أن يسليني بالذهاب في رحلة برية. ذات صباح قررنا الذهاب في رحلة إلى بلدة صغيرة تدعى كارلسباد في نيو مكسيكو. كنت وقتها أحمل معي كاميرا رقمية دائمًا. أحببت التقاط الصور وكنت أرى نفسي مصورا هاويا.

توقفنا على الطريق عند محطة وقود صغيرة بها كشك تذكارات، واشترينا بعض عصير الكرز. عندما وصلنا إلى كارلسباد رأينا أنهم أقاموا سدًا قبالة نهر صغير، وقاموا بضخ النهر حتى يتمكنوا من العمل على الجسور. وجدنا بقعة في حديقة قريبة، وتناولنا وجبة خفيفة قبل أن نذهب لاستكشاف قاع النهر الجاف. لم نكن أول من فعل هذا إذ وجدنا آثار أقدام في كل مكان. لم نجد آثار أقدام بشر فحسب، بل قططا وكلابا، بل وجدنا ما بدا أنه آثار خنازير البيكاري. ثم راودني شعور غريب وكأن أحدا يراقبنا. نظرت حولي وفكرت أنه ربما أحد سكان البيوت المحيطة بالمنطقة من بعيد. ثم لفت انتباهي شيء.

الثلاثاء، 24 أكتوبر 2023

الأنوار

اعتدت في طفولتي أن أنام في سرير أمي بسبب الكوابيس راودتني. لطالما وجدت السلام تحت أغطية سرير أمي لكنني أدرك الآن أن الراحة الحقيقية تأتي من الأنوار. بالكاد أتذكرها، لكني دائما كنت أرى زوجا من الأنوار في مكان ما بالقرب من سقف غرفة أمي. لم أفكر مليا بشأنها، على الأقل لم تراودني أفكار سيئة عنها. كانت مريحة وهادئة ودافئة. بدأت أعتمد على هذه الأنوار، لدرجة أنه أحس بالضيق ولا أرتاح في نومي عندما لا أراها. لم أتحقق من أمر تلك الأنوار، وربما لو فعلت لما كنت في الوضع الآن.

الثلاثاء، 17 أكتوبر 2023

يا تي فيو

 


حتى عندما تختفي الشمس خلف الأشجار الطويلة ذات الخضرة المدهشة، وتتلاشى الغابات المطيرة من حولي في الظلمة، فإن الهواء يحمل حرارة لا تطاق.

لم يعد بمقدوري المشي أكثر. عليّ إيجاد مكان أنام فيه. عندي جراب جلدي أعطاه لي كاهن قبل أن أغادر القرية. يتدلى الجراب من حلقة على حزامي، ويلمس ساقي برفق مع كل خطوة أخطوها. أصر الكاهن على أن آخذ معي هذا الجراب المليء بالأزهار المسحوقة والجذور والتراب إلى الغابة حتى أكون بمأمن من الخطر. وافقت لسببين، أولهما أنني وافقته على أي خرافة يؤمن بها، ولأن القرويين هنا يعرفون هذه الأدغال أكثر من أي شخص آخر. قد يكون هذا الخليط في الجراب فعالا لطرد الحشرات أو يبعث رائحة لا يشمها البشر ولكن تنفر منها الوحوش البرية.

كنت سأسأل الكاهن عن أي مخاطر سيحميني هذا الجراب منها، ولكنني أعلم أن الشيخ العنيد لن يخبرني. \قضيت وقتًا في تلك القرية بما يكفي لأعرف أنه لا يشرح نفسه. إذا طلبت منه توضيح الغرض من الحقيبة، فسيسخر مني لأنني لا أثق في حكمته.

الخميس، 5 أكتوبر 2023

لن يحدث هذا مجددا


كان عمري سبعة عشر عاما عندما رأيتها أول مرة. كنت أعيش مع أمي القاسية طوال تلك السنوات الطويلة والمؤلمة. كان الوقت منتصف الليل وسمعت ثلاث دقات ناعمة، وكانت أمي نائمة، لذلك نهضت وفتحت الباب. وقفت أمامي فتاة صغيرة. كان منظرها غريبا: خدّاها شاحبان وشعرها أشقر وبه ضفائر، وثوبها الوردي ممزق الأهداب، وكانت قدماها حافيتين تعلوهما زرقة من برد الشتاء، وكانت عيناها سوداوين كالليل. سمحت لها بالدخول وأنا أفكر بمدى بؤسها وسوء حالها. لم يخطر ببالي وقتها أن أستغرب من عدم ارتجافها في هذا البرد، أو لماذا أتت إلى بيتنا أصلا. أدخلتها إلى غرفة الجلوس، ولففت جسدها الصغير بقماش سميك حاكته جدتي.

"ما اسمكِ يا فتاة؟"

ظلت صامتة لفترة، وكانت تحدّق بي. بدأت أنزعج من نظرة عينها السوداء، ثم فتحت فمها وتكلمت بصوت ناعم.

"ليسي مورغان".

الخميس، 21 سبتمبر 2023

الخزنة

 


هل سبق أن استيقظت في منتصف الليل، أو نظرت إلى ساعتك صدفة في النهار، لترى أن الوقت هو نفسه مرة تلو الأخرى؟ بالنسبة لي كانت الساعة هي 11:17. وأود أن أقول أنه في كل مرة من بين ثلاث مرات أجد أن الساعة هي 11:17. قد تشاهد توقيتا آخر، مثل 3:33 أو 12:50. وإن لم تملك ساعة أصلا، فاحمد الله على هذه النعمة وتوقف عن القراءة. إذا كنت تشاهد توقيتا محددا ولا يمكنك تفسيره، فاتبع هذه التعليمات.

ابحث عن المكان الذي ولدت فيه. وكلما كنت محدّدا أكثر في بحثك كلما كان هذا أفضل. نفس الغرفة بالضبط إذا أمكن، ولكن أحيانا قد يتعين عليك التجوّل قليلا لتجد ضالتك.

ابحث في الغرفة والمنطقة المحيطة بها جيدا. ستجد في النهاية خزنة عليها لوحة أرقام مكونة من أربع خانات. بالتأكيد تعرف أي أرقام يجب إدخالها. (استخدم 0 في أول خانة إذا كانت الساعة الخاصة بك أقل من 10). ستجد في الداخل مظروفا من ورق المانيلا. أخرجه، وكن حذرا إذ ستستغرب من وزنه الثقيل، وعليك ألا توقعه حتى عن طريق الخطأ. اخرج من الغرفة وخذ الظرف في يدك، وتأكد أن أحدا لا يراك.

الأحد، 10 سبتمبر 2023

طقس الشبيه رقم أربعة

قسم علم النفس الغيبي، لندن.

رقم العنصر 1282. اليوم 15 مارس 1996

عُثر عليه في الطابق السفلي من منزل غالوز ديتش في قرية هايغيت في لندن.

العنصر عبارة عن صندوق يحوي على أوراق وشظايا من مرآة مكسورة. الصندوق مصنوع من خشب البلوط، ويبلغ قياسه 11 بوصة في 11 بوصة ومزود بقفل نحاسي ويبدو أنه تم فتحه بالقوة. جميع الجوانب الأربعة والغطاء مزينة بوجوه مفصلة، وقد تم ترصيع العيون بالعاج. الأوراق الموجودة بالداخل أثر عليها الزمن ومعظمها متضرر بسبب الماء. من بين الصفحات المهمة والسليمة، كتب عليها تاريخ 24 سبتمبر 1966 وهي مكتوبة بخط اليد بها ما يلي:

"طقس الشبيه رقم أربعة، استدعاء الذات المزدوجة من قبل إدموند جراي".

سأكتب هنا الطقس السري لاستدعاء الذات المزدوجة. يجب تجاهل جميع الأوراق الأخرى إذ لم تسفر محاولاتي السابقة عن أي نجاح. هنا أكتب الطقس الكامل بالتفصيل. أنا أوثق هذا للأجيال القادمة فقط وأنصح بعدم تجربة ما يلي دون أن يملك المجرب عقلا سليما والمعرفة المناسبة والأدوات اللازمة ليحمي نفسه من القوى الخبيثة التي قد تتجلى بسبب الانحراف أو الإهمال.

 

الأحد، 20 أغسطس 2023

إكبار بيغلشتاين

 


كنت أخاف الظلام وأنا صغير. ما.زلت أخشاه، لكن عندما كنت في السادسة، لم أقدر على نوم الليل دون أترجّى من أحد والديّ أن يبحث تحت سريري أو داخل خزانتي عن أي وحش قد يخرج ويأكلني. حتى عندما أنام والمصباح مضاء، أرى ظلالا تتحرّك في زوايا الغرفة، أو أرى وجوها غريبة تنظر إليّ من نافذة غرفتي. فعل والداي ما بوسعهما لتهدئة روعي وإقناعي أن هذا ليس سوى كابوس أو خيالا في الخارج، لكن عقلي الصغير كان مقتنعا أن أشياء سيئة ستحصل لي حالما أنام. وفي أغلب الأحيان أختفي تحت البطانية حتى ينال الإنهاك مني وأنام، لكن بين الحين والآخر يصيبني الهلع وأصرخ وأهرب إلى غرفة والديّ، وأوقظ أخي وأختي بصراخي. لم أهنأ بعدها بنومي لليلة كاملة.

في النهاية، لم يحتمل والداي من الأمر أكثر، ولكن التفاهم مع طفل في السادسة بالعقل والمنطق لم يكن سهلا، فاتجهوا للحيلة.

أتت أمي بفكرة، وهي صنع صديق من القماش يرافقني أثناء نومي.

جمعت عدة قطع من النسيج وخاطتها لتصنع ما سمّته السيد "إكبار بيغلشتاين". كان إكبار وحشا من الجوارب كما وصفته أمي، وسيحميني خلال نومي ويخيف الوحوش الأخرى. كان مخيفا بعض الشيء، وما زلت متعجبا كيف فكّرت أمي بصنع شيء غريب ومزعج كهذا. بدا وكأن الدكتور فرانكشتاين صنع عفريتا صغيرا من القماش، وكانت عيناه عبارة عن أزرار بيضاء كبيرة وآذان متدلية. صنعت ذراعه ورجلاه الصغيرتين من جوارب أختي المخططة بالأسود والأبيض، وكان نصف وجهه أخضرا وصنع من أحد جوارب أخي الرياضية الطويلة. كان رأسه منتفخا، وخاطت أمي قطعة من النسيج الأبيض بشكل متعرّج لتشكل ابتسامة تظهر فيها أسنانه الحادة. 

الاثنين، 24 يوليو 2023

أنورا بتروفا


إلى: Breeiceq@---------.com

الموضوع: بري أرجوك أن تقرئي هذا

بري لا تمسحي رسالتي

أعلم أنك تكرهينني، ولكننا كنا أعز الأصدقاء في يوم ما وأترجاكِ أن تقرأي كلامي. أعتقد أنني وقعت في مشكلة كبيرة ولا يسعكِ فعل شيء لمساعدتي، ولكن أتمنى أن تقرئي المكتوب حتى تفهمي الأمر.

أعلم أننا لم نتحدث منذ مباريات القطاعات. مر زمن طويل، ولكن ما حدث لكِ لم يكن خطأي. على الأقل لم يكن خطأي تماما. أعلم أن الجميع يرى الأمر كذلك، ولكني لم أكن لأتسبب بأذيتك أبدا.

قد يبدو الأمر جنونا، ولكن أنا بحاجة لإخباركِ بالأمر حتى يعلم شخص ما بما حدث.

بدأ الأمر عندما كنّا في الصف الثامن. كانت الليلة قبل مسابقة كريستال كلاسيك. كنت في المنزل ولم أستطع النوم لأنني أعصابي كانت مشدودة بسبب المنافسة. نهضت وشغّلت حاسوبي لأتصفح الإنترنت، ولكن لم أتمكن من التركيز على شيء، بل جلست هناك فقط، لذلك بحثت عن اسمي في قوقل.

ما كان يجب أن أفعل هذا. في البداية وجدت كل الأشياء المعتادة التي يجدها المرء عندما يبحث عن نفسه. ثم وجدت وصلة لمقالة عني في ويكيبيديا.

الاثنين، 10 يوليو 2023

وعاء القطة

 

تستيقظ في منتصف الليل. قطتك تنام مرتاحة وراء ركبتيك. ترقد تحت البطانية التي تمنح الدفء لجسدك المنهك. تتنهّد براحة. تقرّر أن تعود مجددا للنوم اللذيذ، ثم يفاجئك فحيح قطتك التي تهرب من سريرك وتختفي وراء الستائر.

لم تتصرف القطة بهذه الغرابة من قبل. تنظر حولك في الغرفة بحثا عما أخافها ولكنك لا تجد أي شيء خارج عن المألوف. تبقى يقظا لتسمع ما هو مريب في الغرفة. تسمع صوت قطتك وهي تشرب الماء من وعائها في الخارج، وكانت تصدر صوت الشرشفة المقرف الذي يزعجك دائما. ترتاح لأن الأمور بخير، وتستلقي مجددا وتسحب البطانية إلى ذقنك.

ولكن قبل أن تغمض عينيك، ترى ظل قطتك وهي تختبئ تحت مكتبك وشعرها واقف. تشهق فزعا. إذا لم تكن قطتك هي التي تشرب الماء فمن أين يأتي هذا الصوت؟

الأربعاء، 28 يونيو 2023

فن جاكوب إيموري

 

لن أخبركم قصة عن الأشباح، فلا نملك أيا منها. ولكن عندنا قصة جاكوب، وبإمكاني القول أنها أقرب ما لدينا لحكايات الأشباح. لا يُفترض بي أن أخبركم، لكني سأرويها.

كيف أصف جاكوب إيموري؟ أظن أنه من الناس الذين يمرّون بجانبك ولا تلحظ وجودهم. لا أقول أنه كان فتى سيئا، إذ أن العديدين في هذه البلدة رأوا أنه أفضل من يقوم بالأعمال الصغيرة في الجوار، ولكنه لم يختص بأي شيء. وقد يرجع السبب إلى افتقاده للعزم نحو النجاح.

كان يعمل في كل ما قد توفّره هذه البلدة، صيانة السيارات أو العمل الإذاعي أو إدارة المتاجر، لكنه لم يثبت على شيء. لطالما تساءل أصدقاؤه وزملاؤه عن سبب هذا، لكنهم يتلقون نفس الرد الباهت: “لم يكن هذا كافيا بالنسبة لي". لا حاجة للقول أن من تبقى من أصدقائه إما صبروا عليه أو لم يهتموا.

سافر جاكوب للخارج، ربما كان هذا محتما بما أن هذه البلدة الصغيرة لم تعد ترضيه. لا أتذكر إلى أين ذهب، ولكني أعتقد أن جيرترود التي عاشت في آخر الشارع كان تعرف قبل أن ترحل عن هذه الدنيا، ولهذا عليكم تقصي الأمر من شخص آخر إن راودكم الفضول. بأي حال، لم يحاول أحد منعه، إذ أن الجميع رأوا أن هذه الرحلة الصغيرة ستزيل الطموح من عقله. حتى أننا أقمنا له حفلة وداع.

لا أتذكر كم بقي في الخارج. ربما ست أو سبع سنوات. عليكم أن تستقصوا شخصا آخر بشأن هذا أيضا. لكنه رجع في النهاية وبدا عليه التغيير. كان ودودا ويبتسم دائما، وكان مفعما بالنشاط والحيوية، وعرفنا السبب بسرعة. أخرج تذكارا جلبه من سفره – عود أسود صلب، بطول قلم الرصاص وبقوام الطباشير. تساءلنا جميعنا عن السبب الذي جعل هذا الشيء البسيط يملؤه بالبهجة، حتى قدّم لنا عرضًا. أخذ قطعة ورق ورسم دائرة بسيطة بهذا العود.

الثلاثاء، 6 يونيو 2023

الجسر المعلق

 


هذه قصة حكاها لي صديق ياباني. أقسم لي أنها حقيقية تماما، ولكنه رفض أن يخبرني أين حدثت بالضبط. زعم أن شخصين ماتا في هذه الحادثة وتم استجوابه من قبل الشرطة عدة مرات. 

كان وقتها في السابعة عشر من عمره وحصل على وظيفة صيفية في متجر للأدوات الكهربائية. في أحد الأيام، قرر المدير أخذ العاملين معه إلى العشاء بعد العمل. يقع المطعم المقصود على مقربة من قمة الجبل، ولكي يصلوا إليه فعليهم عبور جسر معلق قديم ينتصب فوق وادٍ عميق. 

كان عددهم خمسة فقرروا أخذ سيارتين. قاد المدير السيارة الأولى في المقدمة مع ولدين، بينما قاد صديقي السيارة الأخرى خلفهما ومعه زميل آخر. 

انطلقوا بعد انتهاء الدوام مباشرة، لكن المدير سلك منعطفا خطأ، وبهذا وصلوا إلى الجسر في وقت الغسق. هطل وقتها مطر خفيف ولف الضباب الجسر. قاد المدير سيارته عبر الجسر وتبعه صديقي، ولكن المدير توقف فجأة في منتصف الجسر. 

تعجب صديقي وزميله من الأمر ولم يفهم لم فعل المدير هذا. انتظرا لبضع دقائق قبل أن ينفد صبرهما. بقيت السيارة الأخرى جامدة مكانها دون حراك، فهمّ صديقي بالخروج ليرى ما المشكلة. 

الجمعة، 26 مايو 2023

حفظ النفس

 

إن كان أحد يقرأ هذا، فأتمنى أن أكون قد رحلت عن الدنيا منذ زمن طويل. لقد مر شهران الآن منذ أن ضرب النيزك ولاية مسيسيبي. لقي الحدث اهتماما كبيرا، اجتمع المنجمون والفلكيون وغيرهم ليلقوا نظرة. أخذوا عينات من الصخور وأرسلوها إلى المتاحف في جميع أنحاء العالم.

حتى أنا فكرت بالقدوم لألقي نظرة، لكن كانت لدي مقابلة عمل. لو لم يتصل بي صاحب العمل في اليوم السابق، لكنت ميتًا الآن. بعد ثلاثة أيام من الحدث وتلاشي الضجيج الإعلامي، لم تذكر الأخبار شيئًا عن النيزك لبضعة أيام.

سمعت الخبر التالي بعد عودتي من الحانة واستمعت لأخبار آخر الليل. أتى خبر عاجل.

قال المراسل القلق أن كل من كان قرب موقع سقوط النيزك قد تم نقله إلى المستشفى. كانت أعراضهم مماثلة لتحلل الجثث.

الاثنين، 15 مايو 2023

ذكرى عابرة

 


عندما أفكر بذكرياتي الأولى، لا أجد شيئا واضحا. مجرد صور ضبابية تتبادر إلى الذهن، وكل صورة مرتبطة بمشاعر وعواطف معينة. تغلفها صبغة روحانية تشبه الحلم، وربما أعتبرها هدية من عقلية الطفولة. على سبيل المثال، كان مجيء بابا نويل في عيد الميلاد هو تجربة ملؤها الفرح الخالص وتضيع مع البلوغ.

قد يستحيل وضع هذه الذكريات في أي سياق. إنها فقط موجودة، وتسكن شقوق الدماغ دون سبب. أشعر بالراحة عندما أتذكر لعبي بلحية أبي في غرفة أرضها من الألواح الخشبية، وكان يبتسم في وجهي. أو الدهشة عندما أرى صفا طويلا من النمل يسير في الفناء. أفكر ببعضها الآن فلا تبدو لي حقيقية. هل سقطتُ بالفعل من تلك الشجرة بجانب البحيرة وأحط على قدميّ دون أي خدش؟ أم كان لك حلما؟

لا أعتقد ذلك. أنا أتذكر بضعة أحلام، لكن هناك فرق واضح بينها وبين الواقع. لا أعرف كيف لي أن أميّز الفرق. ولهذا السبب هناك ذكرى واحدة لطالما أزعجتني. كانت التجربة غريبة، ومع ذلك هناك تفاصيل تظهر واضحة.

الجمعة، 5 مايو 2023

الدرج

 

في عام 1984، عاشت أرملة عجوز وحيدة في منزل من طابقين. كانت مقعدة وتقضي كل حياتها على كرسي متحرك. كانت تستعين بممرضة تزورها كل يوم لتساعدها في مهامها اليومية، وهذا منذ أن توفي زوجها بطريقة غامضة.

ما صعّب الأمر أن الطابقين يتصلان بدرج قديم متهالك. إذا احتاجت السيدة للتنقل بين الطابقين، تعيّن على الممرضة أن تحمل جسد الأرملة الواهن مثل طفل في الصعود والهبوط. ثم حدث أن تلقت الشرطة مكالمة من الأرملة عن حدوث جريمة قتل.

الخميس، 27 أبريل 2023

غاي كاو

 

هناك أوقات في الحياة يشعر فيها المرء بعدم الأمان. يتغلغل هذا الإحساس في داخله، ولا يقدر على تهدئته مهما فعل. يبحث عن شيء من العزاء. ملجأ من العواصف العاتية التي تسعى لسحقه. البعض يتغلب على العواصف برصانة، بأن يتشبثوا بشيء من الإيمان بأن تلك اللحظة ستمرّ، أكان ذاك الإيمان إلهيا أم غير ذلك. بينما يفقد آخرون ما يتبقى من عقلهم، ويتطور الارتياب عندهم إلى جنون. مثل الرعد الذي يحل ليكمل العاصفة. لكن هناك خيار ثالث لا يعرفه سوى القلة. يسميه التايوانيون طقس غاي كاو.

ولتبدأ هذا الطقس القديم، يجب عليك أولاً أن تركب أمواج الحزن التي تقذف بك في عواصف الأسى. عندما تشعر أنك في أشد حالات اليأس، ابحث عن مكان يتردد عليه كثير من الناس في وقت واحد. فناء مقهى، صالة بولينغ، حديقة عامة. أي مكان تترك فيه البشرية بقايا من أرواحها. هذه أماكن تحمل قوة عظيمة، وستساعدك في جهودك. من الأفضل أيضًا أن تقوم بذلك قبل الساعة 8:24 من مساء 26 أكتوبر، حيث سيكون الكاو في أقصى قوته.

بمجرد أن تأتي إلى المكان، اجلس بهدوء وقم بأي نشاط عادي. اقرأ الجريدة أو قلب قهوتك. لا تتحدث إلى أحد وإلا ستذهب جهودك سدى. يجب أن تكون في حالة تأمل تام حتى يتمكن عقلك من التركيز على القلق الذي بداخله.

ستدرك سريعا أن أصوات العالم أصبحت باهتة. ستختفي موسيقى المقهى وأصوات المحركات. في هذه اللحظة، يجب أن تنظر للأسفل. هذا يرمز إلى نهج غاي كاو، روح الأمان، وإن لم تظهر احترامك بأن تغضّ بصرك فستحدث عواقب وخيمة. من هنا فصاعدًا، يجب أن تفعل بالضبط ما أقوله. لا تنحرف عن هذه الخطوات، وسأخبرك بما سيحدث لاحقًا إن فعلت.

السبت، 15 أبريل 2023

البستان


 

أنت في غرفة غريبة. لا تتذكر كيف وصلت إلى هنا، لكنك تعلم أنك لا ترغب بالبقاء هنا. من الأفضل لك أن تغادر. تستدير وتجد نفسك في حديقة مغلقة بها صف من أشجار البرتقال على اليسار، وصف من أشجار التفاح على اليمين. تجد خلفك بابا تغطيه الأقفال. لا تجد أي مفاتيح، فتتجه إلى الاتجاه الوحيد المتاح لك.

تسير على طريق ترابي صغير، وتتطلع إلى العدم الذي ينتظرك في نهاية هذا الطريق. كلما تقدمت في طريقك، كلما أصبحت الفاكهة شهية وجذبتك رائحتها الزكية. رغم هذا فإنك تحس أنه لا يجب أن تقترب من تلك الأشجار، والأفضل أن تتركها وشأنها.

تفكر بالعودة أدراجك ولكنك تستمر حتى النهاية. تلاحظ أن يديك تشيخان وتتحولان إلى قشور ذابلة، ويصعب عليك التنفس من أنفك. تقرر العودة إلى البداية حيث وجدت نفسك، وتعود يداك إلى طبيعتهما.

تبدأ الثمار بالذبول كلما تقدمت نحو نقطة البداية. تشاهد التفاح وهو يتحول من لونه الأحمر الجميل إلى لون رمادي جاف. كل برتقالة تفقد قشرتها وتنكمش بحيث يختفي منها كل العصير، فتتحول إلى ثمرة جافة وعفنة.

الأربعاء، 5 أبريل 2023

لم أعد أنام بعد الآن

 

في ليلة الأحد الماضي، راودني حلم أدركت فيه أنني نائم. كنت أقف خارج منزلي في الليل تحت المطر الغزير وكان يجب أن أدخل حتى أستيقظ. اقتربت من الباب الأمامي وقرّبت يدي من الباب لأطرق عليه. كنت أعلم أن هذا سيقربني خطوة من الوعي. كان صوت القرع مرتفعًا ومخيفًا، وكان حقيقيًا لدرجة أنه أيقظني من نومي.

قفزت من مكاني وسمعت قرعا آخر على الباب. كانت جسدي ساخناً وأتعرق بغزارة، وقلبي يدق بقوة لدرجة أنني لم أميز بين الطرق على الباب وخفقان قلبي. عدت إلى صوابي وفكرت أنه احتمال طرق الباب في نفس لحظة مع الطرق في الحلم يبدو ضئيلا، فعُدتَ للنوم.

عاد نفس الحلم في الليلة التالية يوم الاثنين. رأيت نفسي مجددا خارج المنزل وتحت المطر وأنا أحدق في منزلي. تقدمت ببطء إلى الباب، وهذه المرة كان مفتوحًا. دخلت واتجهت مباشرة إلى المطبخ. فتحت درج أدوات المائدة وأخذت أكبر سكين. نظرت إلى انعكاسي على نصل السكين.

إن حدقت في انعكاس عينيك لفترة كافية، فستدرك في النهاية أن شخصًا ينظر إليك. أنت تعلم أنه انعكاسك، ولكن لثانية واحدة، تنسى هذا وترى شخصًا آخر يقف وراء عينيك. لم يأخذ الأمر مني ثانية لأدرك أن شخصًا آخر يبادلني النظرات. ما كان مني إلا أن أغلق درج الأدوات على الفور.

أغلقته بقوة ونهضت. كان صوت ضرب المعدن في الدرج واضحًا وجليا، ولا يمكن أن يكون حلما. فزعت حقًا هذه المرة، نزلت إلى المطبخ في الطابق السفلي. كنت نصف نائم. فتحت درج الأدوات. شعرت بالارتياح عندما وجدت السكين في مكانه. أغلقته وعدت للسرير. استغرق الأمر وقتًا أطول قليلاً هذه المرة، لكنني استسلمت للنوم.

الاثنين، 27 مارس 2023

المخرج



أعرف هذا الطريق أكثر من نفسي.

أعرف جميع الأميال المائتين والخمسين على الطريق بين الولايات رقم 85. تستغرق الرحلة في المتوسط ​​3 ساعات و26 دقيقة عندما تسير غربًا من شارلوت إلى أتلانتا، و3 ساعات و29 دقيقة لنفس الرحلة شرقا. أعرف سعر البنزين في عشرات المحطات، وساعات إغلاق جميع المطاعم والمقاهي. أعرف جميع المنعطفات وجميع أشجار الصنوبر والبلوط. ألِفتُ الظلام الذي ينسدل على ليالي الشتاء الطويلة والرطوبة في نسيم الصيف. أعرف هذه الأشياء جيدًا لأنها أصبحت جزءا من وجودي الآن.

أعرف أسماء جميع المخارج غربًا وشرقًا. باتسفيل، بوبلار سبرينغز، سبارتانبورغ. لكن المخرج في طريق سيلفر كريك ليس بينها. لم أره مجددا خلال السنوات الثلاث التي قضيتها في حلقة لا تنتهي. إن حدث أن شككت بوجوده، فسينتهي كل شيء بالنسبة لي.

لم أجد هذا المخرج على أي خريطة. ربما كان موجودا في يوم ما، ولكنه اختفى عن الأرض ومن كل ذاكرة وسجل. قضيت في البداية أيامًا طويلة وقلقة وأنا أبحث في خرائط المسح القديمة ووثائق ومخططات المقاطعات. بحثت عبثًا عن أي علامة تدل على الطريق، أو المخرج الذي أعلم أنني دخلته. لم تبق أي مكتبة أو مخزن سجلات إلا وقرأت ما بها. لم يبق أي مسؤول إلا وسألته. عندها بدأت الرحلة بنفسي.

استهلكت سيارتين واستنفدت مدخراتي، وأعيش الآن على بطاقات الائتمان وأكاد أستهلكها أيضا. لا أملك عنوانا استلم عليه فواتيري، ولا أنوي دفع أي منها. ملأت صندوق السيارة بأباريق بلاستيكية مليئة بالبنزين في وقت كانت فيه بطاقاتي مقبولة. عندما تتعطل هذه السيارة تماما، فأظن أن عليّ أن أتعلم الركوب مع الغرباء.

السبت، 11 فبراير 2023

لقاء في الليل

 


كانت ليلة باردة وعاصفة. وقفت كارين ليدجر على الرصيف ممسكة بحقيبتها وهي تنتظر وصول القارب. كان الظلام حالكا ونظرت حولها بقلق. راودها شعور غريب بأن أحدا يراقبها.

فجأة، سمعت حفيفا في الغابة خلفها. استدارت وصُدمت عندما رأت رجلا يقف وراءها. كان يرتدي ثياباً ممزقة ويمسك فأسا في يده.

سألت خائفة "من أنت؟"

أجاب الرجل بابتسامة: "هذا لا يهم. تبدين لي جيدة ... جيدة جدا... أراهن أن مذاقكِ جيد أيضًا ..."