الثلاثاء، 28 نوفمبر 2023

تلك الليلة في المرآة

 

سأخبركم من الآن أن قصتي لن تفضي إلى أي ذروة دراماتيكية أو جواب نهائي. وإن أملتم بخاتمة لا تزعجوا أنفسكم بقراءتها. حدثت قصتي في لحظة واحدة من حياتي. حاولت أن أتجاهلها قدر استطاعتي أو أقول أنها خدعة من عقلي الذي كان مرهقا أو دخل في هفوة إلى مخاوفي الطفولية، ولكنني لم أقدر.

أعتقد أن الخوف من المرايا شائع في يومنا هذا. أتذكر في طفولتي أنني رأيت أحد برامج الرعب على التلفزيون، التي تعرض بضع قصص قصيرة في الحلقة الواحدة. أتذكر البرنامج الآن ولا أراه بذاك الشيء المرعب، وإذا رأيته اليوم فربما سأدعو أصدقائي لنسخر من سخافة التمثيل أو القصة.

كل ما أتذكره من المسلسل هو قصة رجل يعاني العذاب من سفاح مجنون، لكنه لا يراه إلا عندما ينظر في المرآة. كانت الحلقة عبارة عن قصة طويلة حول الرجل الذي يلمح السفاح في المرآة خلف ظهره، ثم يلتفت ولا يرى شيئًا.

 

ربما أتذكرها جيدًا لأنها عرضت قبل وفاة أمي بقليل. كنت أشاهد التلفاز (برنامج مختلف) وسمعت صوتا مثل تحطم الخزف، تلاه صوت دق عالٍ من المطبخ على بعد غرفتين. أتذكر أنني أطليت برأسي لأرى ساقي أمي ممدودتان على الأرض. لم أرى باقي جسدها الذي امتد داخل إطار الباب. هرع والدي إليها أولاً ونادى اسمها بقلق. وقفت من مكاني ولكني لم أخرج بسبب الخوف كما أظن، ولكني أتذكر أبي وهو يطلب مني أن أبقى حيث أنا.

أخبرنا الأطباء أن الفيروس وصل إلى قلبها. أذكر والدي وهو يحتّج بأنه لم يسمع بشيء كهذا من قبل. أنا أيضا لم أسمع به، لكن مفهوم الموت نفسه كان جديدًا عليّ إلى حد ما، لكن الخوف غمرني بطريقة لا أستطيع وصفها. كما لو أنني رأيت شخصا أعرفه تحول فجأة إلى كومة من الغبار.

لا أتذكر أنني كنت أخاف بسهولة في طفولتي. ليس أكثر من المخاوف العادية. وحتى قلقي من المرايا لم يفق مخاوفي الأخرى من العناكب أو الأماكن الضيقة. ربما كان الخوف من المرايا منطقيا. من العلامات المميزة للوعي بالذات هي أن يتعرف الحيوان على نفسه في المرآة. ربما توجد بداخلنا غريزة بدائية تنبهنا أن ما نراه في الحقيقة ليس نحن، بل ظل شرير. ناهيك عن كل مشاهد المرايا في أفلام الرعب. تنحني الشخصية وتغسل وجهها بالماء، ثم ترفع رأسها لترى صورة وجه مرعب ومشوّه.

ثم أتى ذاك اليوم. كنت أعيش في منزل قديم أستأجره أنا وأربعة أصدقاء من الجامعة. كنا نحضر حفلة في منزل قريب، ثم غادرت الحفلة مبكرًا (وإن كانت الثانية صباحا). كنت الوحيد في المنزل حيث بقي أصدقائي هناك. ذهبت إلى غرفتي في الطابق العلوي وأنا مرهق ولا أريد إلا الاستلقاء على سريري وأترك العالم ورائي. لكنني لم أفعل. قررت قبل ذلك أن أدخل الحمام القديم في آخر الممر الذي أشاركه مع صديقين آخرين. لم يُضِئ المكان سوى مصباح نيون واحد يلقي بلون أخضر باهت على البلاط الأسود والأبيض. فرشت أسناني وبصقتُ الرغوة في الحوض، ثم رفعت رأسي ورأيتها.

رأيت أمي تقف ورائي في حوض الاستحمام والستارة مفتوحة، وكان فمها يتدلى للأسفل وكأنها تصرخ، ولكن بلا صوت. أدركت أنها أمي، لكنها كانت ظلًا بشعًا. رأيت عيناها وكانتا سوداوين، أو أنهما لم تكونا موجودتان أصلا. كان محجراها عبارة عن فراغ لا يعكس أي ضوء. كانت بشرتها شاحبة لدرجة أنها كانت زرقاء، وبدا شعرها الداكن مبللًا، وكان ملتصقا برأسها ويقع على كتفيها. لم يكن فمها يصرخ، بل كان متدليا. كان مفتوحا بزاوية مستحيلة لا يقدر عليها أي إنسان. كانت ترتدي ثوب نوم أبيض ورقيق، وكان مبللا ويلتصق بجسدها الهزيل. بدت ساقاها هزيلتان جدا وكأنهما ستنهاران تحت ثقل وزنها، بينما مدّت ذراعيها على الجدار.

لا بد أنني رأيتها لثوانٍ فقط قبل أن أستدير وأصرخ، ثم أقع على بلاط الحمام بقوة. كان الحوض فارغًا. لم أسمع بعدها أي صوت سوى لهاثي. لا أعرف كم مرّ من الوقت وأنا على الأرض. أسمع أزيز مصباح النيون فوقي وأنا ساكن من الخوف وأخشى الحركة. في النهاية سمعت باب البيت وهو يفتح، حيث دخل رفاقي الثملين مع صديقاتهم. وعثروا عليّ وأنا ممدد على الأرض. ضحكوا على شكلي، إذ طنوا أنني سكران لدرجة أنني فقدت الوعي في الحمام.

لم أرها مرة أخرى. لا أريد أن أراها مجددا، وكل يوم أتمنى لو لم أرها أصلا. هناك حكايات عن أناس تطاردهم المخاوف أو الكوابيس لبقية حياتهم بسبب حدث واحد. الكوابيس تراودني أيضًا، لكن هذا ليس ما يقض مضجعي.

عندما يموت شخص تحبه، فإنك تميل إلى نسيان كل ما به من مساوئ، وفي النهاية تجمع ذكرياتك العزيزة عنه وتشاركها مع من تعرفهم. لكن هذا ليس ما أحس به تجاه أمي. كنت صغيرا ولم أقضي معها من الوقت ما يكفي لأجمع قصصا لا تنتهي عن حبها وعطفها. كل ما أتذكره هو وجهها تلك الليلة في المرآة.

قصتي لا تنتهي بالانتحار أو أي نهاية درامية. لم أحاول قتل نفسي أبدًا. لا أقول هذا لأنني أريد الحياة، بل لأنني لا أعرف ما يحدث بعد الموت. لا أحد منا يعرف. لكنني أخشى أن ما رأيته في المرآة تلك الليلة قد أعطاني لمحة.

 

القصة: That Night in the Mirror

الكاتب الأصلي: Matt Chatham

http://www.creepypasta.com/that-night-in-the-mirror

ترجمة: Mr. Beshebbu

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق