السبت، 15 أبريل 2023

البستان


 

أنت في غرفة غريبة. لا تتذكر كيف وصلت إلى هنا، لكنك تعلم أنك لا ترغب بالبقاء هنا. من الأفضل لك أن تغادر. تستدير وتجد نفسك في حديقة مغلقة بها صف من أشجار البرتقال على اليسار، وصف من أشجار التفاح على اليمين. تجد خلفك بابا تغطيه الأقفال. لا تجد أي مفاتيح، فتتجه إلى الاتجاه الوحيد المتاح لك.

تسير على طريق ترابي صغير، وتتطلع إلى العدم الذي ينتظرك في نهاية هذا الطريق. كلما تقدمت في طريقك، كلما أصبحت الفاكهة شهية وجذبتك رائحتها الزكية. رغم هذا فإنك تحس أنه لا يجب أن تقترب من تلك الأشجار، والأفضل أن تتركها وشأنها.

تفكر بالعودة أدراجك ولكنك تستمر حتى النهاية. تلاحظ أن يديك تشيخان وتتحولان إلى قشور ذابلة، ويصعب عليك التنفس من أنفك. تقرر العودة إلى البداية حيث وجدت نفسك، وتعود يداك إلى طبيعتهما.

تبدأ الثمار بالذبول كلما تقدمت نحو نقطة البداية. تشاهد التفاح وهو يتحول من لونه الأحمر الجميل إلى لون رمادي جاف. كل برتقالة تفقد قشرتها وتنكمش بحيث يختفي منها كل العصير، فتتحول إلى ثمرة جافة وعفنة.

 

فجأة، تفقد إحدى أشجار التفاح ثمرتها. كل الثمار تذبل وتصبح سوداء. تسقط ثمرة التفاح وتمتصها الأرض دون أن تترك حتى أي علامة في مكان وقوعها. ثم يحين دور ثمار البرتقال التي نزح منها كل العصير. تراها وهي تضغط على نفسها وتطلق رذاذًا عنيفًا في الهواء يشبه الزيت الصافي.

تتجه نحو بداية الطريق ولا تهتم بالنظر إلى الأشجار. ولكنك تسمعها والحياة تخرج منها، ثم تسقط على الأرض وتمتصها التربة بقوة وسرعة. تتقدم أكثر وترى أن ما حل بجسدك من ضرر ينعكس بسرعة، بل تلاحظ بعض التحسن عليه. تختفي الدهون ويشتّد جلدك وكأنه تمثال منحوت على الحجر، وتبدأ في التنفس بعمق كما لو أن رئتاك لا تنالان ما يكفي من الهواء. تجري بسرعة نحو الباب المغلق.

يتحسن جسدك كله تقريبا، وتلاحظ أن التفاح والبرتقال قد اختفى تمامًا. تغرق آخر الثمار في التراب، ثم تبدأ أشجار البرتقال بالغوص في الأرض. تتوقف هنا، حيث يتهيأ لك أن الأشجار تنادي اسمك. تسمعها وهي تصرخ وتطالب بدمك، ويتردد صداها في رأسك. تتحرك ساقاك من جديد وهما ترتجفان مع كل تهديد يواجهك. تنخفض الأصوات، ولكنها تتسارع كما لو أن صفوف الأشجار تتضاعف في كل ثانية.

تصل إلى الباب أخيرا. تفتح الأقفال بقوة خارقة لم تدري أنها بداخلك، تستدير لترى جذعا عملاقا متعفنا يميل على الدرب إلى يمينك. تنزع قفلا آخر على عجل، وتتلمس الأقفال الأصغر. تسمع صوت الجذع وهو يضرب الأرض بقوة، ثم يرتفع في السماء ويتجه نحوك. تنزع آخر قفل في اللحظة الأخيرة، حيث يحوم ظل الجذع فوقك.

تخرج من البستان وبتحطم الجذع على الأرض. تنظر وراءك لترى الفوضى التي خلفتها شظايا الجذع وهي تسد الطريق وتمنعك من الدخول أو الخروج من هذه الحديقة الميتة. ترى بقعة ضوء وتبدأ الجري نحوها. هذا النور الوحيد الذي تراه هنا... وتسقط بوجهك أولاً على فرن، وترتفع الأشواك لتجرك إلى مثواك الأخير. تمزّق الشياطين الصغيرة البشعة جسدك، وتنزع كل قطعة من جسدك حتى يصبح بشكل جذع متعفن.

في النهاية تتقيّأ العفاريت على جثتك المتفحمة، وتملؤها بالكراهية والرغبة العارمة في الانتقام. تأخذ جسدك التال وتعود به إلى البستان، وتشعر بأنك مدفون في مكان خاوي. تهيل الشياطين عليك التراب وتضيء الأرض بلهب ملعون. ينمو جسدك ليصبح شجرة بشعة إلى جانب الأشجار الأخرى التي دمرتها لتهرب من سجنك. تنمو الأشجار من جديد، وينبت التفاح على فروعك.

ترى الشياطين وهي تغادر وتقفل الباب، وترى ضحيتك القادمة تسقط من السماء المحترقة إلى البستان ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق