الخميس، 5 أكتوبر 2023

لن يحدث هذا مجددا


كان عمري سبعة عشر عاما عندما رأيتها أول مرة. كنت أعيش مع أمي القاسية طوال تلك السنوات الطويلة والمؤلمة. كان الوقت منتصف الليل وسمعت ثلاث دقات ناعمة، وكانت أمي نائمة، لذلك نهضت وفتحت الباب. وقفت أمامي فتاة صغيرة. كان منظرها غريبا: خدّاها شاحبان وشعرها أشقر وبه ضفائر، وثوبها الوردي ممزق الأهداب، وكانت قدماها حافيتين تعلوهما زرقة من برد الشتاء، وكانت عيناها سوداوين كالليل. سمحت لها بالدخول وأنا أفكر بمدى بؤسها وسوء حالها. لم يخطر ببالي وقتها أن أستغرب من عدم ارتجافها في هذا البرد، أو لماذا أتت إلى بيتنا أصلا. أدخلتها إلى غرفة الجلوس، ولففت جسدها الصغير بقماش سميك حاكته جدتي.

"ما اسمكِ يا فتاة؟"

ظلت صامتة لفترة، وكانت تحدّق بي. بدأت أنزعج من نظرة عينها السوداء، ثم فتحت فمها وتكلمت بصوت ناعم.

"ليسي مورغان".

 

قلت "بإمكانكِ قضاء الليلة هنا يا ليسي"، وسمحت لها بالنوم على الأريكة. لفّت جسدها كالكرة، ظلّت عيناها تراقباني وأنا أغادر الغرفة. نِمت عميقا في تلك الليلة، لم أقلق من أن أمي ستأتي وتضربني أو أقلق بشأن الفتاة الغريبة على الأريكة.

أتى الصباح وذهبتُ إلى المطبخ، وفاجأني قدح القهوة وهو يدقّ على كتفي. التفت ورأيت أمي ورائي.

صاحت "ما الذي فعلتِه؟ لم الأريكة متسخة؟" انطلقت إلى الأريكة لأتحقق من الأمر، فوجدت أن ليسي قد اختفت، وأن البرهان الوحيد على وجودها هو بعض التراب الذي سقط من ثوبها أو قدميها. تحمّلتُ المسؤولية وتلقيت صفعة قوية على خدي، ثم توجهت إلى المدرسة. سمعت هناك شيئا أصابني بالرعب.

"ليسي مورغان وُجدت ميتة ليلة أمس".

مرّ اليوم وانا أنتظر سماع أي خبر عن الموضوع. ثم عدتُ إلى البيت، وسمعت الأخبار تذيع تقريرا عنها.

"ليسي مورغان، بعمر ستّ سنوات، تم الإبلاغ عن موتها في السابعة من ليلة أمس. عُثر على جثتها في الفناء الخلفي ودُفنت هناك في ثوبها الوردي. حتى الآن لم تعثر الشرطة على أمها، ماريسا مورغان، والتي يُشتبه في كونها القاتلة. يقال أن ماريسا اعتدت بالضرب على ليسي عدة مرات، ويحتمل أن تكون مسؤولة عن موتها".

ظهرت صورة ليسي على الشاشة. كانت تشبه شكلها عندما قابلتها، شعر أشقر له ضفائر، ثوب وردي، وجه شاحب. ولكن خدودها كانت حمراء... وعيونها زرقاء. أهم ما أدركته من التقرير أنها كانت ميتة قبل أن تصل إلى بيتي، إذا كان كلام المذيع صحيحا. ماتت قبل ساعات. حاولتُ تجاهل الأمر. نمتُ مبكرا كي لا أرى أمي. صحوت في منتصف الليل وأنا أحس بأصابع باردة تلمس الكدمة على خدّي.

"لن يحدث هذا مجددا"، همست ليسي قبل أن تختفي يدها. بعد عشر دقائق سمعت صراخ أمي. أسرعت إلى غرفة نومها، وكدت أفقد الوعي من هول المنظر.

كانت أمي تتخبط بعنف على سريرها وقد غرست الفتاة الصغيرة وجهها في صدر أمي. كنت أسمع صوت تمزق اللحم وصراخ أمي. تمنيت لو أنني لم أستيقظ. بل حاولت إقناع نفسي أنني ما زلت نائمة. رأيت ليسي وهي ترفع رأسها عن صدر أمي، ورأيت أسنانها الحادة وهي تلمع من أثر الدم. ابتسمت للحظة ابتسامة بريئة، قبل تمزّق شريان أمي بسرعة شديدة. ثم أغيب بعدها عن الوعي.

عندما صحوت، وجدت نفسي في سريري. نهضت ومشيت إلى غرفة أمي بعد أن غلبني الفضول. فتحت الباب ووجدت الغرفة فارغة. تم ترتيب السرير، كما لو أن أمي خرجت إلى عملها مبكرا. لكن الشيء الوحيد الغريب كانت آثارا قذرة لقدمي طفل، وكانت النافذة مفتوحة. لم أرى أمي ثانية، ولم أفتقدها يوما. في النهاية، تزوجتُ وأنجبتُ طفلة وسميتها ليسي. لاحظت مؤخرا أن ابنة الجيران تحمل مختلف الخدوش والكدمات على ذراعيها. بدأت بمراقبة بيتهم. وقبل أيام رأيت شيئا غريبا: فتاة صغيرة تمشي حافية في فنائهم الخلفي وتتجه إلى الباب الخلفي. كان الوقت منتصف الليل ولم أتبيّن شكلها، ولكني أظن أن عيناي تقابلتا مع عينيها السوداوين. وأقسم أني سمعتها تقول شيئا.

"لن يحدث هذا مجددا".

 

القصة: Never Again

https://www.creepypasta.com/never-again

ترجمة: Mr. Beshebbu

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق