الأحد، 20 أغسطس 2023

إكبار بيغلشتاين

 


كنت أخاف الظلام وأنا صغير. ما.زلت أخشاه، لكن عندما كنت في السادسة، لم أقدر على نوم الليل دون أترجّى من أحد والديّ أن يبحث تحت سريري أو داخل خزانتي عن أي وحش قد يخرج ويأكلني. حتى عندما أنام والمصباح مضاء، أرى ظلالا تتحرّك في زوايا الغرفة، أو أرى وجوها غريبة تنظر إليّ من نافذة غرفتي. فعل والداي ما بوسعهما لتهدئة روعي وإقناعي أن هذا ليس سوى كابوس أو خيالا في الخارج، لكن عقلي الصغير كان مقتنعا أن أشياء سيئة ستحصل لي حالما أنام. وفي أغلب الأحيان أختفي تحت البطانية حتى ينال الإنهاك مني وأنام، لكن بين الحين والآخر يصيبني الهلع وأصرخ وأهرب إلى غرفة والديّ، وأوقظ أخي وأختي بصراخي. لم أهنأ بعدها بنومي لليلة كاملة.

في النهاية، لم يحتمل والداي من الأمر أكثر، ولكن التفاهم مع طفل في السادسة بالعقل والمنطق لم يكن سهلا، فاتجهوا للحيلة.

أتت أمي بفكرة، وهي صنع صديق من القماش يرافقني أثناء نومي.

جمعت عدة قطع من النسيج وخاطتها لتصنع ما سمّته السيد "إكبار بيغلشتاين". كان إكبار وحشا من الجوارب كما وصفته أمي، وسيحميني خلال نومي ويخيف الوحوش الأخرى. كان مخيفا بعض الشيء، وما زلت متعجبا كيف فكّرت أمي بصنع شيء غريب ومزعج كهذا. بدا وكأن الدكتور فرانكشتاين صنع عفريتا صغيرا من القماش، وكانت عيناه عبارة عن أزرار بيضاء كبيرة وآذان متدلية. صنعت ذراعه ورجلاه الصغيرتين من جوارب أختي المخططة بالأسود والأبيض، وكان نصف وجهه أخضرا وصنع من أحد جوارب أخي الرياضية الطويلة. كان رأسه منتفخا، وخاطت أمي قطعة من النسيج الأبيض بشكل متعرّج لتشكل ابتسامة تظهر فيها أسنانه الحادة. 

 

أحببته على الفور. منذ ذلك الحين، ظل إكبار بجانبي بعد مغيب الشمس. لم يكن إكبار يحب الشمس، وينزعج إذا حاولت جلبه للمدرسة معي. لكن هذا لم يهمني طالما يصدّ عني الوحوش. في كلّ ليلة، يخبرني إكيار عن مكان الوحوش وأضعه قرب ذاك المكان. إذا كان هناك شيء في الحجرة، فإن إكبار يسدّ الباب. إذا كان هناك مخلوق يحاول الدخول من النافذة، فإن إكبار يقف أمام الزجاج. وإذا كان هناك وحش مشعر كبير تحت سريري، فإنه يقضي الليل هناك. أحيانا لا تكون الوحوش دائم في غرفتي، بل تدخل أحيانا في أحلامي، ويأتي إكبار داخل عقلي ليحميني من كوابيسي. كان وجوده في أحلامي ممتعا، وكنت أقضي الساعات معه وأنا أقاتل الغيلان والشياطين. ولكن أفضل ما في الأمر أن إكبار كان يتحدث معي في أحلامي. ويسألني "ما مقدار حبّك لي؟"

كنت أجيبه دوما "أكثر من أي شيء". أتاني في الحلم بعد أن فقدت سنّي الأولى، وطلب مني معروفا.

"هل بإمكاني أن آخذ سنك؟"

سألته لماذا، فأجاب "لتساعدني كي أقتل الأشياء السيئة".

الصباح التالي، سألتني أمي أين اختفت سنّي، وأخبرتني أن "جنيّة الأسنان" لم تجدها تحت وسادتي. أخبرتها أنني أعطيته إلى إكبار، فهزّت كتفيها وعادت لإطعام أختي الصغيرة. منذ ذلك الحين، أعطيت إكبار كل سنّ أفقدها. كان يشكرني دائما ويقول أنّه أحبّني. ولكن في النهاية، سقطت جميع أسناني اللبنية، وبدأت أكبر على اللعب بالدمى. فجلس إكبار على رف الكتب وبقي يجمع الغبار.

ولكن بمرور الوقت، أصبحت كوابيسي أسوأ من قبل. بل كانت من السوء بحيث تبعتني إلى عالم اليقظة. كنت أقود دراجتي إلى البيت في إحدى الليالي، وأقسم أن قطيعا من الكلاب الشرسة كان يطاردني، ثم وصلت إلى البيت لإيجاد شيئا غريبا في غرفتي. رأيت إكبار على سريري، يقف منتصبا تحت نور القمر القادم من نافذتي. ظننت أن عيناي تخدعانني، فأشعلت المصباح. ولكن المصباح لم يُضَأ، فضغطت زر المصباح مجددا دون جدوى.

تراجعت ببطء نحو الباب دون أن أرفع بصري عن خيال إكبار، ومددت يدي في الظلام بحثا عن مقبض الباب. ولكن ما إن أوشكت على الخروج حتى انغلق الباب من تلقاء نفسه وحُبست في الظلام. وقفت مكاني جامدا في صمت، ولم يسعني حتى التنفس. لا أعرف كم مرّ من الوقت وأنا واقف مكاني وقد تجمّد الدم في عروقي، ولكني سمعت في النهاية صوتا مألوفا.

"توقّفتَ عن إطعامي، لماذا عليّ أن أحميك؟"

"تحميني من ماذا؟"

"دعني أريك".

رمشت عيني رمشة واحدة، وفجأة تغيّر كل شيء. لم أعد في غرفة نومي، بل في مكان آخر. لم يكن جحيما، ولكنه كان مرعبا. كنت في غابة مروّعة وبشعة، ورأيت الأجنة المجهضة وهي معلّقة على الفروع، وعجّت الأرض بالحشرات التي تأكل اللحم. أتى ضباب سميك ومعه رائحة اللحم المتعفّن الكريهة، وومض البرق الأصفر في ظلام الليل. سمعت من بعيد صيحات ألم لشيء لا أظن أنه كان إنسانا. أحسست بنبضات الصداع في رأسي وكأنه كان على وشك أن ينفجر، وكان الألم قويا بحيث انهمرت الدموع بشدة على وجهي. سمعت صوته ثانية.

"سيكون هذا واقعك بدوني".

أحسست باقتراب خطوات ثقيلة تهزّ الأرض من تحتها، وكانت تقترب مني بسرعة.

"أنا الوحيد الذي يستطيع أن يوقفه".

أصبح خلفي الآن، وأحسست بأنفاسه الحارة والغاضبة وراء ظهري.

"أحضر لي ما أحتاجه، وسأوقفه".

استيقظت قبل أن أستدير.

في اليوم التالي، بحثت في حجرة والديّ عن أسنان أخي اللبنية، وأعطيتها كلّها إلى إكبار. توقّف الرعب الليلي فورا، وعدت لأعيش حياتي بشكل طبيعي. من وقت لآخر، كنت أنسلّ إلى غرفة أختي وأسرق الأسنان التي تم وضعها لجنيّة الأسنان، أو أخنق إحدى قطط الحيّ وأنتزع أسنانها الصغيرة الحادّة. أيّ شيء لأتجنّب الكوابيس، سواء كانت عقدا من أسنان القرش أو طواحن مسوّسة. كما لاحظت أيضا أن إكبار يتحرّك في غرفتي حينما أخرج منها، فيغيّر من مكان أشيائي ويعلّق ستائر إضافية. كما بدأ شكله يتغيّر، حيث بدأ يظهر شيئا فشيئا ككائن حيّ. كانت أسنانه تتألّق عندما يقع الضوء عليها، وكان ملمسه دافئا. ورغم أنه كان يخيفني، فلم أجرؤ على تدميره، لأنني أعرف جيّدا ما سيحدث لي بعدها. واصلت جمع الأسنان له طوال سنوات الثانوية والجامعة. وكلما تقدّمت في العمر، تعلّمت أن أخاف من أشياء أخرى، وبهذا أجمع المزيد من الأسنان كي يستمرّ إكبار بحمايتي.

أنا الآن بعمر الثانية والعشرين وأشغل وظيفة جيدة وأملك شقّتي الخاصة وعندي أطقم أسنان. مرّ شهر تقريبا منذ وجبة إكبار الأخيرة، وبدأت الأشياء المرعبة تتربّص بي من جديد. في إحدى الليالي انعطفت من خلال موقف سيارات بعد العمل. رأيت رجلا يلعب بمفاتيح سيارته. كانت أسنانه صفراء من أثر السجائر والقهوة. ولكن رغم هذا، اضطررت لاستعمال مطرقة لأنزع أضراسه. عدت إلى شقّتي، ووجدته وهو ينتظرني عند زاوية السقف. عيناه البيضاوان وأسنانه الحادة.

"ما مقدار حبّك لي؟" سألني.

"أكثر من أيّ شيء"، أجبته وأنا أنزع معطفي. "أكثر من أيّ شيء في العالم".

 

القصة: Ickbarr Bigelsteine

الكاتب: Prattler

https://creepypasta.fandom.com/wiki/Ickbarr_Bigelsteine

ترجمة: Mr. Beshebbu

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق