الثلاثاء، 29 يوليو 2025

البرق

 


انتقلنا إلى بيت مزرعة صغير في الضواحي. كان مثل القصص الخيالية: مكان هادئ، وجيران ودودون، وسياج خشبي أبيض وغير ذلك. يكفي القول أن هذا البيت مثل بداية جديدة لي كأب وحيد مع ابني ذو الثلاثة أعوام. وبهذا نترك وراءنا مشاكل وضغوطات السنة السابقة.

كنت أرى العواصف الرعدية على أنها تعبير على البداية الجديدة. عرض كبير أخير قبل أن يغسل المطر التراب والأوساخ من الماضي. أَحَبّ ابني هذا المنظر، إذ كانت أول عاصفة كبرى يراها. وميض البرق يغمر جميع الغرف ويترك ظلالا طويلة خلف الصناديق التي لم نفرغها بعد، وكان يقفز ويصيح مع عصف الرعد. لم يهدأ من عنفوانه حتى منتصف الليل وذهب للنوم.

وجدته في الصباح التالي في سريره وهو صاحٍ ويبتسم ويقول ببهجة "لقد رأيت البرق من نافذتي".

ثم كرّر نفس العبارة بعد بضع صباحات أخرى. قلتً له "أنت مضحك. لم تكن هناك عاصفة بالأمس. أنت تحلم فقط".

الثلاثاء، 22 يوليو 2025

هل تسمحين لي يا أمي؟

 

"أشكرك على حضورك بهذه السرعة"، قالت المرأة وهي تفتح الباب

"لا مشكلة يا سيدتي، فهذا عملي. ماذا يسعني أن أفعل لكِ؟" أجبتُها بابتسامة.

"هناك مشكلتي في مغسلتي. حاولت إصلاحها بنفسي ولم أنجح. ادخل وسأريك الطريق"، وأشارت بيدها لأتبعها. ابتسمتُ لها وأنا أستعد لأن أؤدي عملي كالمعتاد. قادتني إلى غرفة المعيشة. ثم أضافت "ابني نائم في غرفته، هلا حافظت على هدوئك؟"

"بالتأكيد، سأفعل ما بوسعي". لاحظت أنها فقدت إصبعين في إحدى يديها. لم أرغب أن أكون وقحا فلم أذكر الأمر.

"أقدّرُ لك هذا. هل ترغب بشراب بارد؟ ربما صودا أو ماء".

"الماء يناسبني. شكرا".

"حسنا، سأعود إليك. اجلس وارتح". انطلقَت نحو المطبخ ولكنها كانت تتحدث في الممر. لم يسعني إلا أن ألاحظ مدى شحوبها وهزالها. تلك المرأة المسكينة لن تملك فرصة للنجاة إذا دخل أي لص أو سفاح إلى بيتها. لاحظتُ أيضا أن بيتها جميل.

أدرتُ رأسي نحو الممر وتنفستُ بعمق. لاحظتُ وجود رائحة غريبة، أيا كانت فلم تعجبني. لاحظتُ أيضا أن السيدة ربما حاولت إخفاءها بكمية كبيرة من معطر الجو.

كنت أستعد لأنهض ثم أتت السيدة مع كوب من الماء. وضعَت الكوب برفق على طاولة زجاجية، ورأيتُ وجود كدمة صغيرة على ساعدها. سألتها "هل ذراعكِ بخير يا سيدتي؟ لاحظتٌ وجودـ..."

"أنا بخير"، قاطعتني وضمّت ذراعها إلى صدرها، "هل تريد أن تفحص المغسلة الآن؟" تبعتُها إلى المطبخ. مشينا قرب الممر وسمعت صوتا يشبه الحك من الغرفة الأولى على اليسار. كما رأيت ظلّين عند أسفل الباب.

ثم أتى صوت طفل من خلف الباب "أمي، هل يمكنني أخذه؟"

توقفت المرأة بنظرة دهشة حاولت تخفيها بابتسامة. ردّت عليه "عد إلى النوم يا عزيزي" بنبرة باردة لم تتوافق مع الابتسامة على وجهها.

ظل ابنها (كما أظن) يترجاها "هل يمكنني أخذه يا أمي؟ أعدكِ أنني سأكون طيّبا هذه المرة. أرجوك".

قلتُ لها "أظن أن ابنكِ بحاجة لشيء ما يا سيدتي".

الثلاثاء، 8 يوليو 2025

رهاب المرايا

 


أنت هكذا منذ كان عمرك خمس سنوات. بدأ الأمر برحلة عائلية إلى مدينة ملاهي. أراد والدك وإخوتك الأكبر تجربة بيت المرح الذي يحتوي على متاهة المرايا. شققتَ طريقك عبر الزجاج والمرايا وانفصلتَ عنهم. كنتَ مجرد طفل صغير وحيد في المتاهة فأصابك الخوف. ناديتَ والدك لكنه لم يظهر في أي مكان. شعرتَ بالذعر وركضتَ عبر المتاهة، تصطدم بالألواح الزجاجية وتجفل عند رؤية انعكاسك المشوه على المرايا العديدة المحيطة بك.

فجأة ترى نور الشمس أمامك. تركض نحوه بأقصى سرعة. لكنك تصطدم بوجهك عند المنعطف – مرآة أخرى. تسقط على الأرض وتحسّ بالألم في رأسك بينما تتموج صور المرايا أمام عينيك. تحس بشيء دافئ ورطب على وجهك. ثم تراه: خيال غامض بظهر انعكاسه في المرآة، ويقبع خلفك بحوالي عشرين قدمًا.

"أبي؟" يتردد صوتك بهدوء. لا تسمع ردا. يقترب الخيال منك بحركة متعرجة وكأنه بندول. تلتفت حولك فلا ترى إلا ممرا فارغا. تقف على قدميك وتسند نفسك على الزجاج البارد. تنظر إلى رأسك في المرآة فيلقاك منظر مروع. وجه فظيع، طويل ورمادي وأجعد، ذو فم داكن وتجويف مكان العينين. تتحرك شفاهه السوداء وترتفع يده الطويلة ببطء. أطلقتَ صرخة.

لا تتذكر كيف خرجتَ من هناك. لكن حتى اليوم، فإن منظر المرايا وأي شيء ينعكس فيها يبعث في داخلك فقشعريرة رهيبة تخترق عظامك وأنت تتذكر صوت أنفاس ذلك المخلوق.

يقول بعض الناس: “أنا لا أخشى الظلام، بل أخشى ما فيه". هذه حالة مماثلة. أنت تخشى ما يكمن داخل المرآة – أو ما وراءها. ماذا لو خرج شيء من المرآة؟ أو رأيت شيئاً لا تتمنى رؤيته؟ وبالطبع، ماذا لو ظهر ذاك المخلوق من الماضي مرة أخرى؟

خضعت للعلاج النفسي لستة عشر عامًا، لكن هذا لم يفيد. يعتقد الطبيب أنك تعرضت لإصابة عندما ضربت رأسك في بيت المرح، وتسببت في الهلوسة والارتياب. سماه "اضطراب ذهاني بسبب إصابة قاسية في الدماغ". أعطاك حبوبا وتمارين عقلية، ولكن دون جدوى.

الحياة مع والديك عذاب. يبدو أن جميع الغرف تحتوي على سطح عاكس. رغم كل مناشداتك للتخلص من المرايا، فلا يبدو أن والديك يفهمان ذلك أو يهتمّان. استقل إخوتك بمنازلهم منذ زمن، وقررت أن دورك قد حان لتفعل بذلك. تريد مكانًا خاصًا بك بلا مرايا.

ظللتَ تبحث عن منزل لثلاثة أشهر، ثم نلت مرادك. منزل من طابقين في بلدة مجاورة، وسيكون لك مقابل إيجار قدره خمسمائة دولار شهريًا. تتصل بالمالك وتحدد موعدا لتفقد البيت. تنتظر بفارغ الصبر.

الثلاثاء، 17 يونيو 2025

أغرب شريط مراقبة رأيته في حياتي

 


أنا أعمل في محطة وقود في ريف بنسلفانيا. إنه عمل ممل، ولكنه سهل والراتب جيد. بدأ شاب جديد بالعمل معنا منذ بضعة أسابيع. سأدعوه جيريمي.

كان جيريمي شابا غريبا. كان في الخامسة أو السادسة والعشرين من عمره. لم يتحدث كثيرا، ولكنه كان يصدر ضحكة مخيفة لم أسمع مثلها. لاحظ مديري الأمر أيضا، ولكنه لم يهتم طالما أنه يؤدي عمله ولا يشتكي منه الزبائن. لكن هذا تغير بعد أسابيع قليلة عندما بدأنا نفقد الأشياء. لاحظ المدير أن زيت المحركات بدأ ينقص منذ حوالي أسبوعين، حيث بدأ الأمر ببضع علب، ثم تطور إلى جميع الرفوف والصناديق في المخزن. لم يطل الأمر حتى بدأت الشحنات تختفي بأكملها خلال أربع وعشرين ساعة من وصولها. ويحدث هذا دائما بعد نوبات جيريمي. تفحّص المدير أشرطة كاميرات المراقبة في الأيام التي يعمل بها، ولكنه لم يتمكن من ضبطه. جيريمي يقفل المخزن عند وقت الإغلاق، ويختفي الزيت في اليوم التالي.

كان المدير يأخذ الأشرطة لبيته ويشاهدها هناك، ولكن طلب مني أن أفعل هذا في أحد الأيام لأن ابنته لديها مباراة بيسبول. كانت هناك ثلاثة كاميرات، وبهذا أعطاني ثلاثة أشرطة. أخذتها للبيت ووضعتها في جهاز الفيديو القديم، وجهزت نفسي لليلة طويلة.

قبل يومين (آخر يوم عمل فيه) بدأ جيريمي العمل في الرابعة مساء. كل شيء يبدو طبيعيا. دخل وتبادل الموقع مع الفتاة التي تعمل قبله، وثم وقف منتظرا الزبائن. أولهم كانت السيدة تمبلتون في الساعة 4:03، وهي زبونة دائمة. اشترت علبة سجائر وجريدة وأعطت جيريمي عشرين دولارا. ثم أتى رون، وهو زبون يأتي على دراجته كل بضعة أيام، حيث ملأ خزانه واشترى لحم بقر مقدد ودفع ببطاقة الائتمان ثم رحل. ثم أتى رجل يرتدي قبعة رعاة بقر. لم أره من قبل، ولكن يأتينا العديد من الأغراب مثل أي محطة بنزين. أخذ ما قيمته أربعين دولارا من وقود الديزل، ودفع بورقة مائة دولار ثم رحل.

تنهدت وأنا أشعر بشيء من الضيق. لم يكفي أن أصاب بالملل وأنا أؤدي عملي، بل عليّ الآن أن أشاهد شخصا آخر يشعر بالملل في عمله. لكن المدير عرض عليّ المال مقابل المشاهدة فكان هذا كافيا ليجعلني أواصل. ظل كل شيء على طبيعته. بدأت أشك أن جيريمي هو الفاعل، وإلا كان سيشك أننا نعلم بأمره، ولن يدعنا نضبطه على الكاميرا. ثم بدأت الأمور تتغير حوالي الساعة الخامسة.

في الساعة 5:03 بالضبط عادت السيدة تمبلتون. لا بد أنها نسيت شيئا. ولكنها عادت لتشتري نفس علبة السجائر والجريدة ودفعت عشرين دولارا أيضا. استغربت الأمر، ولكنني أعلم أنها شاردة الذهن أحيانا. ثم عاد رون مجددا واشترى وقودا لدراجته، والتي تأكدت من وجودها لاحقا من كاميرا الباب الخارجي، ثم اشترى نفس اللحم المقدد ودفع بنفس البطاقة.

لم أرى الأمر بهذه الأهمية، بل مجرد صدفة غريبة. السيدة تمبلتون تنسى دائما، وربما يملك رون أكثر من دراجة. ثم أحسست بقشعريرة عندما عاد راعي البقر. بقيت على أمل ألا يشتري وقود الديزل، ولكنه فعل. اشترى بأربعين دولار ودفع بورقة مائة. كل حركاته مطابقة لما فعل سابقا، حتى أنه حك لرأسه عندما خرج. إما أن رجلا ثريا يملك عدة شاحنات قد أتى إلى بلدتنا، أو أن أمرا غريبا يحدث أمامي. واصلت المشاهدة.

جميع الزبائن عادوا مجددا في خلال الساعة التي مضت. ثم رأيت السيدة تمبلتون تعود في الساعة 6:03 وتشتري نفس السجائر والجريدة بورقة العشرين دولار. أكاد أفقد عقلي. واصلت المشاهدة لنصف ساعة قبل أن أسرع الشريط على الشاشة. جميع الزبائن يعودون مجددا بعد ساعة بالضبط، وبالدقيقة.

الأحد، 1 يونيو 2025

تولبا

 

في السنة الماضية، قضيت ستّة أشهر وأنا أشارك في تجربة نفسية، أو هذا ما قالوه لي. وجدت إعلانًا في الصحيفة يبحث عن أناس واسعي الخيال مقابل مبلغ جيد، وبما أنه كان الإعلان الوحيد الذي كنت مؤهلا له في ذلك الأسبوع، اتّصلت بهم واتفقنا على إجراء مقابلة.

أخبروني بأنّ كل ما سأفعله هو البقاء في غرفة لوحدي، بينما يتم ربط مجسات برأسي لقراءة نشاط دماغي، وكل ما أفعله هو أن أتخيّل وجود شخصية مزدوجة مني. وكانوا يدعونه "تولبا".

بدا الأمر سهلا، ووافقت على القيام به حالما أخبروني بأجري. بدأت في اليوم التالي. أحضروني إلى غرفة بسيطة وأعطوني سريرا، ثمّ ربط مجسّات برأسي وأوصلوها بصندوق أسود صغير على الطاولة بجانبي. تناقشوا معي خلال هذه العملية حول تخيّل شخصي الثاني، وأخبروني أنه إذا شعرت بالضجر أو الضيق، فعليّ أن أتخيل شخصي الآخر وهو يتحرّك في المكان بدلا من أن أتحرّك أنا، وأن أحاول التفاعل معه. كانت الفكرة هي أن أبقيه معي طوال وجودي في الغرفة.

واجهت مشكلة مع الأمر في الأيام القليلة الأولى. كنت أسيطر على أحلام اليقظة بشكل لم أفعله أو أعهده من قبل. كنت أتخيّل شخصي الآخر لبضع دقائق ثمّ يتشتّت انتباهي. ولكني تمكنت من إبقائه موجودًا (إن صحّت الكلمة) في الغرفة لكامل الساعات الست في اليوم الرابع من التجربة. أخبروني أنني أتجاوب مع التجربة بشكل جيّد جدا.

حلّ الأسبوع الثاني ووضعوني في غرفة مختلفة، وكان بها مكبرات صوت مركّبة على الحائط. قالوا أنهم أرادوا أن يروا إذا كان باستطاعتي أن أبقي "التولبا" معي وأنا أتعرض لمؤثرات خارجية على التركيز. كانت الموسيقى صاخبة وقبيحة ومزعجة، وجعلت العملية صعبة بعض الشيء، لكنّي تعوّدت عليها. وفي الأسبوع شغلوا موسيقى أكثر إزعاجا، وكانت تتخللها أصوات صياح غريبة، وبدت مثل جهاز مودم قديم وهو يتّصل بالإنترنت، وأصوات غريبة وكأن أحدا يتكلّم بلغة أجنبية. أصبحت وقتها محترفا وتجاهلت من تلك الأصوات.

بدأت أشعر بالملل بعد حوالي شهر. وبدأت أتواصل مع هذا القرين وأتفاعل معه. كنت أتحادث معه أو أتخيّله وهو يرمي الكرات أو يرقص، أو أي شيء يخطر على بالي. سألت الباحثين عما إذا كانت حماقتي ستؤثّر سلبا على دراستهم، لكنّهم شجّعوني.

كان الأمر ممتعا لفترة. وبعد ذلك بدأت أمور غريبة تحدث. أخبرته مرّة عن أول موعد غرامي لي. أخبرته أن الفتاة كانت تلبس قميصا أصفر، وصححني قائلا بأن القميص كان أخضرًا. فكّرت بالأمر لثانية وأدركت أنّه كان محقًّا. أخافني هذا، وتكلّمت مع الباحثين عن الأمر بعد نهاية اليوم. قالوا: "أنت تستعمل الشكل الفكري لتدخل إلى اللاوعي. كنت تعرف في أعماق عقلك أنك مخطئ، وأنت صحّحت نفسك لا شعوريا".

كان هذا رائعا. كنت أتكلّم مع عقلي الباطن! عرفت أنه بإمكاني أن أسأل التولبا عن كل الذكريات، وإن تطلّب هذا شيئا من التدريب. بإمكاني أن أجعله يروي صفحات كاملة من كتب قرأتها مرّة واحدة منذ سنوات، أو أشياء تعلّمتها في الثانوية ونسيتها فورا. كان الأمر مذهلا.

الثلاثاء، 13 مايو 2025

الباب


 

أنا طبيب مقيم في السنة الأولى في مستشفى محلي، لذلك أقضي أغلب الأيام أعمل لساعات طويلة وأعاني قلة النوم. أجني مالًا جيدًا، تقريبًا مثل طبيب مرخص، ولكني أعيش في شقة سيئة بسبب ديون الدراسة.

غرفة النوم صغيرة، والمكان الوحيد الذي يكفي لخزانة الملابس هو على يمين مدخل الغرفة مباشرة. الخزانة طويلة جدًا على المساحة، لذلك يُفتح الباب ثم يتوقف في منتصف طريقه عندما يضرب زاوية الخزانة. يرافق ذلك طبعا صوت ضرب الخشب بالخشب. كثر حدوث هذا في الشهر الأول لدرجة أنني أحدثت بعض الخدوش الكبيرة على الخشب. يقع الحمام في آخر الممر على اليسار، وغرفة المعيشة على اليمين. الممر واسع بما يكفي لباب غرفة النوم، ويعطي فراغا لبضع بوصات على جانبي الإطار.

لماذا هذا مهم؟

قبل أسبوعين، تحرك باب غرفة النوم. لا أعرف كيف أصف ذلك. أنهيت عملي في وردية مدتها ثلاثون ساعة، وكانت الثانية في ثلاثة أيام، ثم نهضت بعد أربع ساعات من النوم لأجهز نفسي لوردية أخرى. فتحتُ الباب واستغربت أمرا، ولكن تطلب مني دقيقة لأدرك ما هو – الباب مفتوح بالكامل. نظرت حول المكان لأفهم الأمر، واكتشفت أن هناك مساحة كافية بين الخزانة والباب، ولكنها لا تزال ملاصقة للحائط.

تجاهلت الأمر ورأيت أنه مجرد خطأ في جدران الشقة، واتجهت نحو الدش لأستحم قبل الذهاب للعمل. عدت إلى المنزل بعد ثلاثين ساعة وأنا مرهق وأحتاج النوم، لأجد أن الباب يتوقف عند الخزانة كما يحدث دائمًا.

لم يحدث أي شيء غريب لبضعة أيام، ولكن في صباح الخميس كنت أستعد لنوبة طويلة أخرى عندما فتح الباب بأوسع من السابق. كما لو أن مدخل الغرفة قد تحرك أكثر إلى اليسار، حتى أنني رأيت نحو سنتمتر من جدار المدخل يبرز خارج إطار الباب. ربما أخطأ المقاول في التقدير عندما بنى المكان، وأزاح المدخل قليلاً من الممر. ربما سنتمتران آخران وكنت سأرى العزل الحراري والأسلاك.

حدقت في تلك القطعة من الحائط الجصي لبضع دقائق وأنا مندهش، وحاول عقلي أن يصنع أي تفسير منطقي. كان المبنى قديمًا ويهبط، وكان هذا نتيجة تراجع التوترات الطبيعية في الجدار. ربما كان موجودًا طوال الوقت، وكنت لاهيا أو متعبًا فلم ألاحظ وجوده. ربما نمت خلال زلزال أزاح غرفتي بضع بوصات من الممر. بدت جميع التفسيرات معقولة.

يجب أن أكون في العمل خلال نصف ساعة، ولم أرغب إلا ببعض القهوة والخروج. ولكن عندما عُدت في الصباح التالي، عاد الباب إلى طبيعته، لكني كنت متعبًا فلم أهتم.

كل شيء كان عاديًا في اليوم التالي أيضًا.

الثلاثاء، 22 أبريل 2025

الراكون

 

أخبرني والدي ذات مرة أن أسهل طريقة لصيد الراكون هي وضع شيء لامع في علبة برينجلز. لم أفهمه في البداية، كيف ينجح هذا؟ بصراحة كنت صغيرة على فهم هذا. لكنه أوضح لي أن الراكون ينجذب للأشياء اللامعة. عندما يرى جسمًا لامعًا، فإن رد فعله الفوري هو فحصه. إذا كان الجسم موجودًا في علبة برينجلز، فسيضع الراكون مخالبه في العلبة الطويلة ويمسك بالشيء. لكن أقدامه تعلق عندما يحاول سحب الجسم من العلبة. لن ينجح بإخراج كفه والشيء معا، وهو ليس ذكيًا ليكتشف طريقة أخرى، وهكذا يظل عالقًا. يمكنه فقط ترك الشيء وتحرير كفه، لكن الراكون يبقى منجذبا ولا يستطيع تركه. سيبقى هناك لساعات أو حتى أيام. في النهاية يأتي صياد ويقتله. والأمر المحير أكثر هو أن الراكون لن يتركه. حتى إذا كانت حياته على المحك.

كانت هذه معلومة غريبة، إلا أنها علمتني درسًا في التعلق. وكنت أنا الأولى بتعلمه.

كان الزمن فصل الصيف بين الصف التاسع والعاشر. كان والدي ثملا كالمعتاد وكانت أمي غاضبة. رسبت في مادة العلوم، وكنت أكرهها دائمًا، ورفضت والدتي إرسالي إلى المدرسة الصيفية لأنها تكلف الكثير. ظلت تؤنبني لساعة كاملة قبل أن أخرج من الباب إلى الحقل خلف منزلنا.