الأربعاء، 12 نوفمبر 2025

أنتران

 


تم التقاط الصورة في زمن ما في السبعينات. إنها الصورة الوحيدة التي الباقية لابني، مع كائن صناعي يدعى "أنتران"، الذي تبنّته عائلتنا في ذلك الوقت.

كان صيفا دافئا في منتصف السبعينيات. كنت عائدا من عملي في شركة قطع الأشجار بعد وردية طويلة، لكن تعيّن عليّ التوقف عند مكب القمامة لأرمي بعض المكاتب القديمة. وصلت إلى هناك ولفت نظري شيء هناك. أمعنتُ النظر، وذهلت لرؤيتي ما اعتقدت أنه دمية. كان لها غلاف خارجي بلاستيكي بأطراف معدنية، والمدهش أكثر أن لها وجها بشريا وعيون جامدة وسوداء. سأكون صادقا وأقول إنني كنت فضوليا وقتها. أعجبتني صنعة هذا الشيء بشدة، ولم أفكر كثيرا قبل أضعه بعناية على المقعد الخلفي وأخذه إلى المنزل.

حظيت الدمية باهتمام ابني بشدة مثلي تماما. عملنا عليه خلال الأيام التي تلت، ففتحنا غطاءه ونظرنا إلى دوائره الكهربائيةـ ونرى إن كانت به قطعة ضائعة أو معطلة. ولدهشتنا، عاد هذا الكائن (أو الروبوت) إلى الحياة. كان يدير أطرافه ويقبض يديه ويحرّك عينيه، وبعد لحظات وقف من تلقاء نفسه. غنيّ عن القول أننا كنا خائفين ومسحورين في نفس الوقت. فكرت في نفسي عمّن يمكنه صنع هذه القطعة الرائعة.

 

أدركتُ بعد أسابيع أن هذه ليست مجرد لعبة أو دمية. أظهر علامات على الذكاء والقدرة على التفكير. تعلم القيام بأعمال يومية مثل إخراج القمامة واللعب بألعاب ابني. حتى أنه كان يفضل سيارة حمراء صغيرة يلعب بها بجوار طاولة المطبخ. تعلم تقليدنا في حياتنا اليومية، كمحاولة تناول الطعام بالشوكة رغم أنه لا يملك جهازا هضميا، ويحرك فمه رغم عدم قدرته على الكلام. كنت أعرف أنه شيء مختلف. ربما جهاز عسكري أو مشروع خاص لعالم. كنت أعلم أن عليّ تسليمه للسلطات، لكن عندما رأيت ابني يلعب معه بسعادة، لم يسعني فعل ذلك. كان دائما يعاني من الوحدة، وكان هذا الشيء صديقه الوحيد. أي أب يحرم ابنه من السعادة؟ لا ضير بالسماح له أن يحتفظ بالشيء لفترة من الوقت.

أطلقنا عليه اسم "أنتران"، وهي الكلمة التي كانت مطبوعة بأحرف كبيرة وبخط صغير على ظهره. مرت الأشهر بسرعة، وبدا أن حياتنا الأسرية تتحسن، وأصبح أنتران واحدا منا. تحسنت درجات ابني، وكذلك مزاجه. حتى تلك الليلة في يوليو.

كنت جالسا على كرسي وأشاهد التلفزيون. ركع ابني وأنتران على السجادة، ويلعبان المصارعة مع بعضهما. فجأة، لفت انتباهي شهيق عال. نظرت ورأيت ابني يمسك بذراعه.

سألت "ما المشكلة يا آدم؟"

طوى كمه. رأيت علامة حمراء كبيرة تغطي ساعده. أجاب بصوت مرتعش: "قرصني أنتران".

تحولت العلامة لاحقا إلى كدمة أرجوانية متورمة. ومثل جميع الآباء، حاولت تهدئته بأن صرختُ في اللعبة. بدا لي وكأن وجه الروبوت المعدني البارد وقد ظهر عليه حزن حقيقي للحظة، وكأنه يتأسف لأنه لا يعرف مقدار قوته. ثم تحركت شفتاه. ربما كان يستجمع كلماته ليعرب عن أسفه أو أنه يقلدني فحسب. في وقت لاحق من المساء، اعتذرت له عن صراخي، وأخبرته أن كل شيء بخير، ولم أعد أهتم لما حدث.

بعد بضعة أسابيع، جاء ابني إلى غرفتي. لا بد أن الوقت كان في الصباح الباكر. صحوت على صرير الباب الخفيف.

همس "أبي".

"نعم يا بني؟"

"إنه يظل يراقبني”.

"ماذا؟" سألته وعيوني مرهقة.

"أنتران يظل مراقبتي من نهاية سريري”.

ارتجف صوته، وأدركت أنه أن شيئا ما لم يكن على ما يرام. لاحظت أنه يفرك ذراعه الأخرى فناديته. رفعتُ كمه فأحسست بقلبي يهبط. كدمات أخرى. هناك أربعة أو خمسة على طول ذراعه الصغيرة.

طلبتُ منه أن يخلع قميصه، في محاولة لتهدئة روعه، وإن كنت أشعر في داخلي بمزيج من المشاعر: الذعر والخوف والغضب. نزع قميصه وكشف عن جسده الصغير، لأراه مغطى بكدمات مختلفة ومتباينة بين اللون البني والأرجواني.

نهضتُ على الفور واقتحمتُ غرفة آدم. لم أجد شيئا.

صرخت بكل قوتي على ذاك المخلوق، ونظرتُ تحت السرير وخارج النافذة. وفجأة، سمعت طرقا عاليا من فوقي، ثم خطوات قوية.

"إنه في العلية"، همست وعيني إلى فوق.

سِرتُ عبر الممر ولاحظت أن الجدران على الجانبين تعلوها الخدوش، وتستمر حتى السلسلة التي تقفل باب العلية على السقف. سحبت السلسلة ببطء وأمرتُ ابني الخائف أن يبقى مكانه. سقط السلم وصعدتُ عليه. دخلتُ وأشعلتُ مصباحي، فأجد أن نافذة العلية الصغيرة محطمة. لقد هرب.

فكرت أن أتصل بالطوارئ، ولكن من سيصدقني؟ هل أفول أن كائنًا معدنيًا واعيًا يريد إيذاء طفلي؟ سيلقون نظرة واحدة على الكدمات ويحبسوني بتهمة الإساءة لطفلي. لم أملك خيارًا سوى التزام الصمت.

مرت أسابيع ثم أشهر. ألاحظ علامات على وجود أنتران في كل مرة أخرج من البيت: خدوش مألوفة على الطوب في منزلي. تم العبث بالنباتات، وأرى بقعا من الطين تؤدي إلى النوافذ. كنت أخشى على ابني. لم أدعه يغيب عن نظري عندما آخذه إلى المدرسة أو أجلبه منها. ما الذي سبب هذا العداء المفاجئ تجاهنا؟ هل أخطأنا بحقه؟ هل كان صراخي عليه هو السبب؟ وجدتُ نفسي أتحدث بصوت عال، أعتذر للجدران والغرف الفارغة، على أمل أن يسمعني أنتران ويتوقف عن تعذيبي وملاحقتي في منزلي دون هوادة. لكن محاولاتي ذهبت سدى، ولو كنت أعرف ما سيحدث، لما نمت في تلك الليلة.

انقطعت راحتي مرة أخرى، هذه المرة بسبب صراخ مروع. فتحتُ عيني وانطلقتُ على الفور نحو غرفة ابني بدافع الغريزة. لكن فات الأوان. وجدتُ الغرفة مقلوبة رأسا على عقب. كل شيء مرمي على الأرض، ملاءات السرير ممزقة والنافذة محطمة. انفجرتُ بالبكاء وصرختُ بأعلى صوتي على ابني أن يعود.

اتصلت بالشرطة وأخبرتهم أنه تعرض للاختطاف. سألوني إن كنت رأيتُ الجاني، فكذبت وقلت إنني لم أره، على أمل أن تكفي صور ابني في التحقيق. لن يصدقوا أن هذه "الدمية" كانت واعية ومؤذية. في الأيام التالية، كنت أبكي كالطفل حتى أنام. لم تعد الحياة تستحق العيش بعد الآن. تمنيت لو لم أجد هذا الشيء. خُنتُ ثقة ابني بي لحمايته. الآن دفعت الثمن.

كان فجر أحد أيام سبتمبر. جلست على كرسيي وأشرب عندما سمعت صرير باب المخزن وهو يُفتَح.

"آدم؟" ناديتُ وهرعتُ إلى المطبخ.

ومرة أخرى، لا أجد شيئا.

لم أجد إلا لعبة السيارة الحمراء المفضلة لدى أنتران على طاولة المطبخ.

 

https://creepypasta.fandom.com/wiki/Antran

ترجمة: Mr. Beshebbu

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق