أخبرني والدي ذات مرة أن أسهل طريقة لصيد الراكون هي وضع شيء لامع في علبة برينجلز. لم أفهمه في البداية، كيف ينجح هذا؟ بصراحة كنت صغيرة على فهم هذا. لكنه أوضح لي أن الراكون ينجذب للأشياء اللامعة. عندما يرى جسمًا لامعًا، فإن رد فعله الفوري هو فحصه. إذا كان الجسم موجودًا في علبة برينجلز، فسيضع الراكون مخالبه في العلبة الطويلة ويمسك بالشيء. لكن أقدامه تعلق عندما يحاول سحب الجسم من العلبة. لن ينجح بإخراج كفه والشيء معا، وهو ليس ذكيًا ليكتشف طريقة أخرى، وهكذا يظل عالقًا. يمكنه فقط ترك الشيء وتحرير كفه، لكن الراكون يبقى منجذبا ولا يستطيع تركه. سيبقى هناك لساعات أو حتى أيام. في النهاية يأتي صياد ويقتله. والأمر المحير أكثر هو أن الراكون لن يتركه. حتى إذا كانت حياته على المحك.
كانت هذه معلومة غريبة، إلا أنها علمتني درسًا في التعلق. وكنت أنا الأولى بتعلمه.
كان الزمن فصل الصيف بين الصف التاسع والعاشر. كان والدي ثملا كالمعتاد وكانت أمي غاضبة. رسبت في مادة العلوم، وكنت أكرهها دائمًا، ورفضت والدتي إرسالي إلى المدرسة الصيفية لأنها تكلف الكثير. ظلت تؤنبني لساعة كاملة قبل أن أخرج من الباب إلى الحقل خلف منزلنا.
جلست لساعات وأنا أقلع العشب وأشتم بصوت عالٍ. حل الليل وأتى ضباب الغسق بعد أن غربت الشمس. أنا هنا في مكان مجهول وليس بشارعنا أضواء ولا تمر به إلا بضع سيارات، والظلام شديد في الليل. لم أهتم، لم أرغب في العودة إلى المنزل بعد ما حدث. جلست وأنا أفكر وسط صرير الجنادب. ولكن الغريب أن أغانيهم عادةً ما تكون عالية في الساعات المتأخرة، ولكن حتى في الساعة الثامنة والنصف بدت أغانيهم هادئة. حل الظلام وهدأ صراخ والديّ. فهمت في النهاية أنهم لن يخرجوا ويبحثوا عني. لا يهم، لا أريد الدخول.
سرعان ما حل الظلام، وكان نور شرفتنا الأمامية هو النور الوحيد في المكان. حدقت في الغابة المظلمة خلف منزلي. لطالما خِفت منها، لكن في هذه الليلة أراها مصدرا للراحة. لمحت حركة. ركزت عيني ولمحتها مرة أخرى. ضوء من بعيد. الغابة تمتد لأميال، وليس بها أي طرق. لن تدخل أي سيارة وسط هذه الأشجار الكثيفة. جلست لبضع لحظات أخرى، أتفحص الضوء وهو يظهر ويختفي، وازداد فضولي كلما نظرت إليه. بدأت أتساءل عما إذا كانت هذه شفرة مورس، وإن لم أملك أى فكرة عن كيفية قراءتها. بدا وكأنه يومض في وجهي مباشرة. وقفت ومسحت أوراق العشب عن حضني. بدأت أشق طريقي نحو الغابة. توقفت ونظرت من ورائي إلى منزلي. اعتقدت أنني سألقي نظرة وأعود.
واصلت المشي. وصلت إلى الغابة. كلما اقتربت من الضوء، بدا وكأنه يبتعد. اعتقدت أن أحدًا ما يمازحني. كنت أتبعه وظل يبتعد عني. ربما لا ينبغي أن أكون هنا. نظرت ورائي لأرى نور شرفة منزلي من بعيد. شعرت بقلق، لكن شيئًا ما منعني من العودة إلى المنزل. ربما كان الفضول.
وبينما كنت أسير، بدا أن الضوء توقف مكانه. أسرعت نحوه. وعندما اقتربت اختفى تماما. غريب…
سمعت صوت حطام. نظرت لأرى شجرة ضخمة واقعة على الأرض خلفي. تحطم آخر. نظرت لأرى شجرة أخرى. عندها فقط شعرت وكأنني سمعت صوتًا. ناديته بهدوء. أتى الصوت مرة أخرى، وكان أعلى هذه المرة.
"قبضنا عليك".
قفزتُ فوق الشجرة، لكن شجرة أخرى سقطت أمامي وكادت تصيبني. وعاد الصوت مرة أخرى وكان أقسى وأكثر تهديدا. "قبضنا عليك".
"لماذا تقبضون علي؟" ولكنني أدركت معنى كلامهم. لقد حاصروني. أسروني. فكرت في الراكون، وخطر لي أن الشيء الذي أتى بي إلى هنا كان شيئًا لامعًا.
"الغابة تنادي أيتها الفتاة الصغيرة". تحول الصوت إلى أصوات عديدة، يتحدث بنبرة غنائية. "هل أنتِ مستعدة للعب؟"
شعرت بإحساس غريب، كما لو أن هناك أحدا خلفي. ألتفت ورائي، ولكن لم أجد أحدا. فقط بيتي من بعيد. ثم أحسست بنقر على كتفي.
استدرت ببطء لأرى فتاة تقف على مقربة مني. لا يمكنني وصف الخوف الذي أحسست به عندما نظرت لعينيها. كان شعرها أسود مدهن، وعيناها سوداوان تماما وبدا أن أحدهما مقسومة إلى نصفين. كان جسدها نحيفا ولا يبدو طبيعيا، وإحدى ساقيها معوّجة بزاوية غريبة وذراعها ملوية للخلف. كان ثوبها يشبه رداء المستشفى ومبللا بالدم وسائل أسود غريب. كان وجهها شاحبا، ولكن عدا ذلك فقد بدا عاديا. بل أكثر من هذا، وكأنه وجه دمية من البلاستيك.
ثم رفعت يدها اليمنى الصحيحة ولفتها حول عنقي.
"أبي يريد رؤيتكِ. أنتِ جميلة. سيفخر بي لأنني أمسكت بكِ".
ثم اقترب خيال آخر. كان كبيرًا ومعضلًا وبدا كأنه حطاب. لم يملك وجها. ربما حمل وجها في يوم ما، لكن الآن تعلوه غشاوة حمراء. كما لو أن أحدًا وضع رأسه في مبشرة جبن. كتل اللحم ملتصقة بعظام وجهه، والدم يقطر على ملابسه البالية. كان يحمل شيئاً في يده. أدركت أنه فخ دببة.
هززت رأسي وأنا رافضة وخائفة. تقدم من ورائي، وسمعت قعقعة الحديد عندما فتح أداته القاتلة. فتحت الفتاة فمها فرأيت أسنانها الحادة. "ثلاثة اثنان واحد!"
صرخت بأعلى صوتي. أطبق الفخ على جذعي وسحق أحشائي. الألم مبرح. أحسست بدفء غريب عندما تبللت ملابسي بدمي. "توقف! أرجوك!" كان صوتي عبارة عن همس أجش. ضحكت الفتاة وأفلتت قبضتها من حلقي. شعرت بقدمي ترتفع عن الأرض. لوّح الحطاب بجسدي ورأيت قطعًا من لحمي تتساقط على العشب. كان الرجل طويلا يفوق الطول الطبيعي. نظرت إلى بطني لأرى أنها أصبحت تشبه وجه الرجل. أمكنني حتى رؤية أجزاء من أمعائي تتدلى وتلتف حول الفخ المعدني، ما جعلني أعلق به أكثر.
توقف الرجل ورماني على الأرض. سمعت صوت صرير. ربما سيفتحون الفخ. ربما أقدر على الهرب. لكن في هذه المرحلة لم أعد أرى منزلي. علت بصري عشاوة وبدأ رأسي يدور. ثم ارفعت من جديد ورماني الرجل على غصن شجرة. ثم لفّ السلاسل حول الغصن السميك حتى أوثقه، وتركني متدلية.
"هل ... هل انتهيت؟" كان عليّ أن أسأل. أردت أن أعرف إن انتهى هذا العذاب.
ثم أتى فرد آخر. كانت امرأة. إلا أنها كانت تزحف على أربع. اتجهت نحونا وكان رأسها مطأطأ، وبدا وكأنه قُطِع ثم أعيدت خياطته على جسدها. وبعد ذلك نظرَت نحوي.
كانت عيناها مشقوقتين مثل عيون القطة. فمها ضخم يغطي معظم وجهها، ورُسمت عليه ابتسامة واسعة بلا أسنان. اقتربت مني وبدأت تشدّ ذراعي وساقي. كان الألم شديدا كحرق النار.
وفجأة سمعت صوت مزق. استدارت الفتاة حولي وهي تحمل ما يشبه جذع الشجرة. لكنه لم يكن جذعا. بل ساقي. شعرت بالألم ولم أقدر حتى على الصراخ.
رفعت المرأة ساقي فوق رأسها، ثم هوت بها عليّ. ضربتني برجلي لما بدا أنه ساعات. صرخت لكن لم يسمعني أحد.
ثم حل نور الفجر على الغابة بالتدريج، فتوّضَح لي أننا لسنا وحدنا هنا. أول ما رأيته هو عظمة وحيدة. يبدو أنها لإنسان، وربما عظمة ساق. ثم رأيت أخرى ثم أخرى. جمجمة ثم عظمة ورك وصف أسنان وقدم متعفنة. رأيت أعضاء ملقاة على الأرض، وكانت ملطخة بالأحمر. وعندها نظرت للأعلى.
رأيت جثثا معلقة في أغصان الأشجار العالية. كلها مقطعة ودامية. معظمهم فقدوا أطرافهم وبعضهم فقدوا رؤوسهم، وبدا أغلبهم وكأنهم وقعوا في مفرمة لحوم. معظمهم كانوا مراهقين مثلي.
أنا جالسة هنا. نقلوني إلى فرع آخر في الليلة التالية كي يفسحوا المجال لضحيتهم القادمة. رأيتهم وهم ينهالون عليها ضربا، بل ويأكلون أجزاء منها وهي لا تزال حية. نظرت الضحية إليّ وعيناها تفصحان عن ألم شديد، بل أشد ألم عَرَفَتْه في حياتها. لكنني لم يسعني فعل شيء. أنا الآن ألفظ أنفاسي الأخيرة وآخر ما أسمعه هو صراخها المؤلم. لا أقدر على مساعدتها. نحن مجرد فتاتين انجذبتا لشيء لامع. فتاتان وقعتا في فخ بسيط.
أنا أقول هذا لأحذركم. بعض الأشياء الجذابة في الحياة قد تكون قاتلة. وليس من الممتع أن تجد نفسك محل الراكون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق