الثلاثاء، 8 يوليو 2025

رهاب المرايا

 


أنت هكذا منذ كان عمرك خمس سنوات. بدأ الأمر برحلة عائلية إلى مدينة ملاهي. أراد والدك وإخوتك الأكبر تجربة بيت المرح الذي يحتوي على متاهة المرايا. شققتَ طريقك عبر الزجاج والمرايا وانفصلتَ عنهم. كنتَ مجرد طفل صغير وحيد في المتاهة فأصابك الخوف. ناديتَ والدك لكنه لم يظهر في أي مكان. شعرتَ بالذعر وركضتَ عبر المتاهة، تصطدم بالألواح الزجاجية وتجفل عند رؤية انعكاسك المشوه على المرايا العديدة المحيطة بك.

فجأة ترى نور الشمس أمامك. تركض نحوه بأقصى سرعة. لكنك تصطدم بوجهك عند المنعطف – مرآة أخرى. تسقط على الأرض وتحسّ بالألم في رأسك بينما تتموج صور المرايا أمام عينيك. تحس بشيء دافئ ورطب على وجهك. ثم تراه: خيال غامض بظهر انعكاسه في المرآة، ويقبع خلفك بحوالي عشرين قدمًا.

"أبي؟" يتردد صوتك بهدوء. لا تسمع ردا. يقترب الخيال منك بحركة متعرجة وكأنه بندول. تلتفت حولك فلا ترى إلا ممرا فارغا. تقف على قدميك وتسند نفسك على الزجاج البارد. تنظر إلى رأسك في المرآة فيلقاك منظر مروع. وجه فظيع، طويل ورمادي وأجعد، ذو فم داكن وتجويف مكان العينين. تتحرك شفاهه السوداء وترتفع يده الطويلة ببطء. أطلقتَ صرخة.

لا تتذكر كيف خرجتَ من هناك. لكن حتى اليوم، فإن منظر المرايا وأي شيء ينعكس فيها يبعث في داخلك فقشعريرة رهيبة تخترق عظامك وأنت تتذكر صوت أنفاس ذلك المخلوق.

يقول بعض الناس: “أنا لا أخشى الظلام، بل أخشى ما فيه". هذه حالة مماثلة. أنت تخشى ما يكمن داخل المرآة – أو ما وراءها. ماذا لو خرج شيء من المرآة؟ أو رأيت شيئاً لا تتمنى رؤيته؟ وبالطبع، ماذا لو ظهر ذاك المخلوق من الماضي مرة أخرى؟

خضعت للعلاج النفسي لستة عشر عامًا، لكن هذا لم يفيد. يعتقد الطبيب أنك تعرضت لإصابة عندما ضربت رأسك في بيت المرح، وتسببت في الهلوسة والارتياب. سماه "اضطراب ذهاني بسبب إصابة قاسية في الدماغ". أعطاك حبوبا وتمارين عقلية، ولكن دون جدوى.

الحياة مع والديك عذاب. يبدو أن جميع الغرف تحتوي على سطح عاكس. رغم كل مناشداتك للتخلص من المرايا، فلا يبدو أن والديك يفهمان ذلك أو يهتمّان. استقل إخوتك بمنازلهم منذ زمن، وقررت أن دورك قد حان لتفعل بذلك. تريد مكانًا خاصًا بك بلا مرايا.

ظللتَ تبحث عن منزل لثلاثة أشهر، ثم نلت مرادك. منزل من طابقين في بلدة مجاورة، وسيكون لك مقابل إيجار قدره خمسمائة دولار شهريًا. تتصل بالمالك وتحدد موعدا لتفقد البيت. تنتظر بفارغ الصبر.


يأتي اليوم المنشود. تركب سيارتك (التي لن تجتاز الفحص بسبب افتقارها للمرايا) وتقود بحماس مسافة خمسة عشر ميلاً إلى المدينة. تقود بحذر في المنعطفات وكأن مستقبلك يتوقف على ذلك، وتصل أخيرًا إلى وجهتك: منزل من الطوب في نهاية الشارع. ينمو اللبلاب على الجدران ويصل إلى النوافذ اللامعة. إنه جميل. المالك رجل مسن، وهو قصير جدًا لدرجة أنك تخشى أن تدوس عليه. يأخذ مجموعة من المفاتيح من جيب معطفه ويفتح الباب الأمامي.

تذهب للطابق السفلي أولاً. المطبخ صغير ولكنه مزود بثلاجة، وغرفة المعيشة مريحة، والحمام تمت صيانته مؤخرًا. أنت مسرور بما تراه وتتشوق لرؤية الطابق الثاني. تصعد السلالم الضيقة المغطاة بالسجاد. هناك ثلاث غرف في الطابق العلوي. تتقدم أولاً إلى حجرة تشبه المكتب مؤثثة بمكتب وخزانة وبها نافذة صغيرة تطل على الفناء الخلفي. تبتسم، فأنت تحس أنك في بيتك منذ الآن. يوجهك المالك نحو غرفة النوم والحمام.

تستدير عند الزاوية. يستمر الممر لعشرة أقدام أخرى. على الجانب الأيسر يوجد الحمام، وعلى اليمين غرفة النوم في نهاية الممر. ومع ذلك، هناك شيء يوقفك في طريقك. تصل لنهاية الممر لتجد مرآة طويلة تصل إلى السقف مثبتة بمسامير على الجدار. تتجمد مكانك. تحس بأنفاسك تنقطع. ترى انعكاسك وتحدق في عينيك الخائفتين. كل ما تسمعه هو دقات قلبك التي تصل إلى طبلة أذنك.

"هل أنت بخير؟" سألك المالك فأيقظك من سباتك. تُبعد عينيك عن المرآة وتنظر نحوه. هل تخبره عن خوفك؟ أنت حائر. وجهه القلق يحدق في وجهك.

"نعم سيدي. كل شيء على ما يرام. هل يمكنني رؤية غرفة النوم؟"

تمرّ بالحمام وترتاح عندما ترى أنه لا يحتوي على مرايا. ربما هذا كان سبب وجود ذاك الشيء المروّع في الردهة. تتبع المالك إلى غرفة النوم، فتسري الرعشة في جسدك عندما تمر بالمرآة. لدرجة أنك لا تتذكر تجولك في غرفة النوم على الإطلاق. كما لو أن المرآة قد أحكمت قبضتها على عقلك.

لا تدري بنفسك إلا وقد عدت إلى الخارج وجلب المالك عقد الإيجار. الوقت الآن مناسب لطرح مشكلة المرآة. ليست مشكلة ... أنت متأكد من أن حلها بسيط.

"كنت أتساءل... المرآة في الطابق العلوي... هل يمكن إزالتها؟"

عبس المالك. "ما المشكلة في المرآة؟"

تتردّد. لن يتم إصلاح الأمر إذا لم تقل شيئًا. تأخذ نفسا عميقا وتشرح كل شيء. هرش المالك رأسه.

«حسنًا، المرآة هنا منذ زمن طويل. منذ أن بُنِي المنزل. قد أقلق بشأن إخراجها. ربما تلحق الضرر بالجدار. ألا يمكنك تجاهل الأمر أو ما شابه؟”

"أنت لا تفهم. السبب الكامل لحاجتي للانتقال هو الابتعاد عن المرايا. هل بوسعك فعل أي شيء؟"

ينظر إليك بتساؤل ويمسح أنفه. "حسنًا، ربما أطلب من شخص أن يأتي ويقيّم الوضع هذا الأسبوع".

تعرف أن هذا يعني لا. أصابك الإحباط، ولكنك لن تواصل الاتفاق. تشكر فرانك على وقته، لكنك تخبره أنه لا يمكنك استئجار المنزل. يبدو فرانك محبطًا، لكنك تصافحه وتودّعه، ثم تعود إلى البيت.

يجافيك النوم في تلك الليلة. هذا المنزل مثالي وجميل وأفسدته مرآة واحدة. تخبر نفسك أن عرضًا آخر سيظهر. لكن لا يمكنك إبعاد الفرصة عن عقلك. لمدة أسبوعين، لا تنام جيدا وتبقى مهووسا به. تتقلب في سريرك حتى يتسلل ضوء الشمس من الستائر. تستيقظ في أحد الأيام وأنت تعلم أن عليك العودة.

تبدو الأميال الخمسة عشر أطول بكثير. تطرق باب المالك، ويجيب قبل حتى أن تفكر فيما ستقوله. يبتسم ويقول: "غيرت رأيك إذا؟ تعال ودعنا نلقي نظرة على عقد الإيجار مرة أخرى".

هذا غير منطقي. السبب الرئيسي لرغبتك في الانتقال هو تجنب المرايا في منزل والديك. والمرآة الوحيدة في هذا المنزل جعلتك تبتعد محبطا قبل أسبوعين. ومع ذلك هناك شيء يجرّك كي تعود. ربما يكون هذا طعم الحرية، أو ربما أنت مستعد لمواجهة خوفك، أو ربما أنت في حاجة ماسة للتغيير. بأي حال، عليك أن توقع على عقد الإيجار وتضيف مفتاحا جديدا إلى حلقة مفاتيحك. الآن لن يكون مفتاح سيارتك وحيدًا.

الانتقال للعيش لا يستغرق أي وقتا. أنت تملك فقط ما يملأ غرفة واحدة. بعد رحلتين، لديك كل ما تحتاجه. لن يستغرق الأمر سوى ثلاث ساعات لتفريغ أمتعتك، ولكن يصيبك الإرهاق في النهاية. تنظر إلى ساعتك. إنها العاشرة والنصف. المنزل صامت. تبتسم وأنت تعلم أنه يمكنك البقاء مستيقظًا وشرب البيرة طوال الليل إذا أردت، لكن التثاؤب يقاطع أفكارك، وتعلم أن الوقت قد حان للنوم.

فجأة، يداهمك الجنون من جديد. عليك الدخول إلى غرفة النوم كي تنام. ولكي تصل إلى هناك، عليك أن تمر من أمام المرآة. تبحث عن مرتبتك وسط الصناديق. أدركت أن المالك نقلها إلى الطابق العلوي عندما ساعدك بنقل أغراضك. ليس لديك خيار. تحاول تهدئة نفسك. أنت بالغ الآن، ولا يوجد شيء يؤذيك في المرآة. تستدير وتشق طريقك ببطء أعلى الدرج.

تفكر أن كان الجو مشمسًا عندما تجولت في المنزل. كان مشرقًا قبل أن تلاحظ الخلل الكبير في هذا المنزل شبه المثالي. تسير إلى الممر نحو تلك الزاوية. تتوقف وتجهز نفسك. هذه هي المرة الأولى التي تواجه فيها المرآة. تلقي نظرة خاطفة على الزاوية.

تبعث المرآة وهجًا غريبًا لضوء القمر الذي ينساب من نافذة غرفة النوم. تتجمد مكانك للحظات. بالكاد ترى رأسك في المرآة، فتتقدم للأمام. ثم ترى كامل جسدك في الانعكاس، وتتقدم مباشرة نحو المرآة التي تقف في طريقك. تقترب أكثر من نهاية الممر حتى تصير على بعد قدمين فقط أمام أكبر مخاوفك. مرة أخرى، تسمع نبض قلبك في رأسك. تسرع مرتعدا إلى غرفة النوم ولا تدير ظهرك للمرآة.

تكاد تتعثر فوق المرتبة. تستدير لتجد أن المالك أسدى لك خدمة ورتّب السرير من أجلك. جسدك يرتعش، فتفعل ما يقترحه عليك معالجك دائمًا: شهيق عميق من الأنف، وزفير من الفم. تدخل إلى السرير دون أن تغسل أسنانك. يستحيل أن تمشي الآن بجوار تلك المرآة. تقبض على وسادتك بإحكام وتغمض عينيك وتصلي لأن تهنأ في نومك.

تستيقظ قبل أن تدرك أنك وقعت في نوم عميق. لكن السماء لا تزال مظلمة. تنظر إلى ساعتك: الثانية والربع صباحًا. تحدق في السقف الذي لم تألفه يعد، وتصل إلى نتيجة مؤسفة بأن عليك الذهاب إلى الحمام فورا.

تصارع تلك الحاجة لنصف ساعة. تتقلب وتضغط على ساقيك معًا وتعدّ الأغنام، لكن بلا فائدة. تفهم في النهاية أن عليك النهوض والذهاب إلى الحمام، وهذا يعني المشي أمام المرآة. تجلس وتجهز نفسك لجولة أخرى من الرعب. تقف ببطء وتخطو إلى الممر.

ترى الممر مشوشا أمامك بنور القمر. المرآة على يمينك مباشرةً، لكنك ترفض النظر إليها. اقترح فرانك أن تتجاهلها. تجاوزت المرآة – توقف. حان الوقت لتواجه خوفك. لا يوجد وقت أفضل من الآن. قررت ألا تؤجله أكثر. تستدير وتخطو نحو انعكاسك الكامل على المرآة.

تنظر إلى نفسك وأنت فاغر فاك. تبدو نحيفًا ومريضًا وشاحبًا، وبالطبع مرعوبًا. تمدّ يدك بحذر وتلمس الزجاج بأطراف أصابعك. المرآة باردة وناعمة، وأصابعك الدافئة تترك عليها آثارًا مبللة وضبابية. توقف قليلًا – لا يحدث شيء. تغمرك الراحة وتشعر بأنك تحرز تقدمًا. انعكاسك يبتسم قليلا. تحدق في كل جزء منك على المرآة، من قدميك الحافيتين إلى مرفقيك وشعرك الرث من أثر النوم.

أخيراً تحدق في عينيك. إنها محتقنة بالدم، لكنها جميلة وتلمع تحت ضوء القمر. تبتسم مرة أخرى، وتحسب أسنانك. لم يحدث أبدًا أن كنت خائفًا ومسرورًا في نفس الوقت. جزء منك يريد الهرب من المرآة بأقصى سرعة، لكن جزءًا آخر منك منبهر. لم تنظر إلى نفسك عن كثب منذ ذاك اليوم في الكرنفال قبل سنوات. تعبس وتبتسم. تصنع تعابير مضحكة، وتغري الخوف بالتسلل إليك مرة أخرى. تصنع وجهًا بشعًا حيث تتدلى شفتاك وتوسّع عينيك. تُثبّت وجهك على هذا الشكل لأطول وقت ممكن، ثم ترخيه وتضحك على نفسك.

لكن انعكاسك ظل يحمل التعبير الذي رسمته لتوّك. لم يتغير شكلك على المرآة.

يصيبك الفزع وتتراجع إلى الوراء. لا بد أن هذا من صنع خيالك. ولكن حتى عندما ترمش عينيك بجنون، يظل الوجه في المرآة دون تغيير. تنهار ساقاك عندما تشاهد وجهك في المرآة وهو يتموّج. ثم تتموج المرآة مثل بركة ألقي فيها حجر، ويبدأ وجهك بالذوبان. تتحول العيون الواسعة إلى كرتين سوداوين، وتتسع الشفاه ويغمق لونها. يغوص الأنف داخل وجهك ويتحول الجلد ليصبح رماديا وأجعد. يصيبك الغثيان. أنت تحدق بذاك المخلوق من ماضيك.

تدخل الحمام وتتقيأ في الحوض حتى لا يبقى شيء في بطنك. تبصق وتمسح فمك. لا بد أنك تحلم. تغمض عينيك على أمل أن تصحو من هذا الكابوس. تنهض منتصبا لتلتقي العيون بعينيك. أنت تحدق في مرآة لم تكن موجودة قبل هذه الليلة. ترى المخلوق في الانعكاس وهو يحدق بك من مرآة الممر. يمدّ يده العظمية، فيمسك بالإطار ويسحب نفسه خارج المرآة، ويزحف على السجادة كالأفعى.

تشعر بدفق الأدرينالين في جسدك. تدور حولك ولا تجد شيئا. تتوقف. ربما يكون كل هذا حلما. ثم تشعر بشيء دافئ يقطر على وجهك. تلمس جبهتك بيدك، فتدرك إنها مغطاة بالدم. الدم يتدفق من كل مسام وجهك. تدور في ذعر لتواجه مرآة الحمام.

يقف المخلوق عند كتفك مرة أخرى، تمامًا كما فعل في السابق. يرفع يده مرة أخرى. تدير ظهرك لمرآة الحمام، لكن لم يختفي الوحش هذه المرة. إنه يقف على بعد بوصات أمامك. يمسك بوجهك الدامي، ويضغط وجهك على المرآة الباردة التي تراها وهي تتموج.

آخر شيء تراه هو هاوية سوداء لا نهاية لها.

 

القصة: Spectrophobia

https://www.creepypasta.com/spectrophobia

ترجمة: Mr. Beshebbu

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق