الأحد، 20 أكتوبر 2024

رحلة إلى غابة هانتسفيل

 

ذهبت في رحلة للتخييم قبل ثلاثة أسابيع في غابة هانتسفيل الوطنية في تكساس. التقيت أنا وثلاثة أصدقاء من الثانوية في مدينتنا في عطلة نهاية الأسبوع، حيث ذهب كل منا إلى الجامعة ولم نعد نلتقي إلا مرة في السنة. قررنا في هذه الرحلة أن نتوغل عميقا في الغابة ونعيش على الأسماك والحيوانات البرية التي سنصطادها. قمنا بهذا من قبل في تكساس وعدة ولايات أخرى، لذا نحن معتادون على أي شيء قد نصادفه هناك.

كان دوري في اختيار مكان التخييم، فاخترت غابة هانتسفيل. أوقفنا سيارتنا في موقف المخيم وانطلقنا مشيا نحو الغابة. كنا نضحك على طول الطريق ونتحادث بما فاتنا عن حياتنا بعيدا عن بعضنا البعض. مشينا حتى حل الظلام وخيّمنا حيث توقّفنا. جمعنا الخشب لإشعال النار ونصبنا خيمتنا. ثم قمنا بما نقوم به دائما: نحاول إخافة بعضنا بالقصص الغريبة.

في حوالي هذا الوقت، بدأنا نشم شيئا. كانت الرائحة ملحوظة ولكنها باهتة. لم نحدد بالضبط ما هي، فلم نهتم بها وواصلنا يومنا. أراد مايك أن يتبوّل فدخل إلى الغابة. عاد بعد ثانية وهو يجري وقد لوّث سرواله.

بادرناه برمي النكات والضحكات عليه. ثمّ لاحظنا أن وجهه كان أبيض كالثلج ويحاول التقاط أنفاسه. بدأ بالصراخ علينا لنتبعه ثم هرب.

غلب علينا الجد وتبعناه ونحن لا نعرف ما المشكلة. سمعنا صياحا وبكاء خافتا من بعيد في ذاك الاتجاه حيث انطلق مايك. كان الظلام حالكا وكان مايك الوحيد بيننا الذي يحمل كشافا، ذلك أننا تركنا مصابيحنا في المعسكر. لم يكن لدينا خيار سوى اتباع الضوء الذي يتطاير شعاعه هنا وهناك وهو يحمله بيده المرتعدة.

 

اقترب مصدر الصيحة وأبطأ مايك من خطاه. ثم لاحظنا وجود كوخ قديم ومتهالك، وبدا مهجورا إلا من نور ضعيف لمحناه من إحدى النوافذ التي علاها العفن والفطر. كان البكاء حادّا، والذي يبكي كان يتنفّس بصعوبة ولا يقدر على الصراخ بأعلى صوته. تبعنا مايك إلى الباب الأمامي وأمكننا سماع البكاء من الداخل، ولكنه توقف حالما دق على الباب.

كلنا انتظرنا، وسمعنا خطوات ثقيلة تمشي مسرعة إلى الباب. سمعنا صفقا قويا على الباب ثم صوت فتح مزلاج. ثمّ لا شيء. انتظرنا قليلا وطرقنا الباب بضع مرات أخرى ولم يحدث شيء. تجوّلنا حول البيت ولاحظنا وجود نافذة عالية. أخذ أليكس نفسا عميقا وطلب منا أن نرفعه ليرى ما بالداخل، فتطوعت أنا ومايك لهذه المهمة. راقبناه وهو يمسح الأوساخ وشباك العنكبوت من النافذة ويضع وجهه على النافذة.

سمعنا دقة خاطفة. ثم شهق أليكس فجأة وبسرعة وأطلق صيحة عالية. ثم تراجع من النافذة يصرخ ويهذي بجنون. حاولنا كلنا تهدئته، ولكنه كان يرتعش ويضرب ويشتم، ثم انطلق هاربا نحو المخيم.

لم نرغب بالانفصال عن بعضنا فركضنا خلفه. لحقناه وأمسكنا به وثبّتناه على الأرض. بدأت النار تخبو فجمعتُ لها بعض الخشب القريب. كنت أنا أرتعش أيضا. عدت إلى أليكس لأهدئه، ولكنه ظل يصرخ ويتنفّس بقوة حتى فقد وعيه في النهاية.

أصابنا الفزع جميعا، وحافظنا على النار حتى شروق الشمس. ظل أليكس يستيقظ في فترات متقطعة ويصرخ. ومع شروق الشمس كان يهذي ويغمغم مع نفسه.

قرّرت أنا ومايك العودة إلى الكوخ في ضوء الصباح. فتّشنا المكان حيث اعتقدنا أنه موجود ولكننا لم نجده. تلك الرائحة الغامضة من ليلة أمس حلت محلها رائحة قوية لشيء ميت أو راكد. عدنا إلى موقع المخيم. عندما وصلنا وجدنا أليكس قد عض جوانب وجهه وابتلع كثيرا دمه حتى تقيأ. كان جون خلفه، وبدا كأنه على وشك الموت من الإعياء. أظن أن مظهرنا جميعا كان هكذا، ولكني لم ألاحظ هذا حتى رأيت وجهه. قال أليكس بهدوء أن علينا أن نرحل الآن.

بدأنا بحزم الخيمة. بدأ المطر يهطل بغزارة أظلمت السماء من الغيوم رغم أن الوقت كان ظهرا. دخل أليكس في حالة ذعر. أمسك بعصا كبيرة وصرخ علينا أن نترك الخيمة ونرحل الآن، أو يضربنا ويخرجنا بنفسه. صرخ مايك عليه وبدآ بالقتال. فصلنا بينهما وأنهينا جمع حاجياتنا، وبعد ذلك عدنا أدراجنا.

بعد فترة قليلة وصلنا إلى الغدير الذي عبرناه في اليوم الذي سبق، لنجد أنه فاض وأن مياهه كانت سريعة ولا نقدر على عبوره. بدأ أليكس بالصراخ ثانية، وهذه المرة على مايك لأنه تباطأ في ربط الخيمة في حين كان يمكنه الخروج من هنا. استمر هذا لفترة حتى أقنعنا أليكس أخيرا بأن يهدأ ويخبرنا عما جرى.

قال أنه عندما وضع وجهه إلى الزجاج، رأى وجها على الجانب الآخر، وابتسم ابتسامة كبيرة جدا. كانت عيونه وفمه مظلمتين وحجمهما أكبر من عيون وفم أليكس. أتى ظل عملاق خلفه وهوى بشيء واقتطع ذلك الوجه من رأسه. التصق الوجه بالنافذة لبرهة، ثم بدأ يضحك بهدوء وهو ينزلق عنها. قررنا اتباع مسار الغدير إلى أن نجد معبرا.

ثمّ بدأنا نرى الدمى تطفو في الغدير. دمى باربي وأطفال قديمة جدا. لم تكن مجرد نفاية قديمة تطفو على الماء، بل رأينا الكثير الدمى. حطّ أحدها على الضفة والتقطها مايك. كانت بها رقاقة صوت وبطاريتها شبه فارغة وقالت بعض الكلمات التي لم نفهمها، ثم تلى ذلك ضحك مخيف، ثم سمعنا ما يشبه الهمس. فكرنا أن البطاريات قد فرغت تماما فرماها.

واصلنا وبدأت الشمس بالمغيب. ازداد خوف أليكس أكثر من قبل وكان يتنفس بصعوبة. كلنا بدأنا نرى الظلال تتحرّك وراء الأشجار. فكر كل منا أن هذا مجرد هلوسة لكننا اتفقنا كلنا بأننا نراه. توقفنا عندما رأينا الكوخ أمامنا مباشرة. لا أحد منّا عرف كيف يفسر الأمر. قال مايك، "هذا هراء، سأدخل هناك". حاول أليكس إيقافه وتبعناه في ذلك، لكن مايك صرخ علينا أن نبتعد عنه، فهو لم يعد يهتم.

ثم سمعنا مئات الأصوات التي سمعناها من تلك الدمية سابقا، ضحك وهمس وغناء. تقدّمنا للأمام متجاوزين الكوخ. شممنا رائحة شيء ميت أو راكد في الهواء كما في المرة السابقة. ثم سمعنا أصوات بكاء وصراخ. ولكننا واصلنا المسير. في النهاية عبرنا الغدير وخرجنا من الغابة وعدا إلى سيارتنا. انطلقنا وسط ظلمة الليل. اكتشفنا أن الطريق السريع المؤدي إلى هيوستن تحت الصيانة ولا يمكن عبوره. دخلنا في التحويلة، لكن الطريق كان ترابيا وصغيرا ويدخل إلى الغابة.

ثم رأينا فتاة شابة تتجه نحونا. بدت كأنها في مأزق. اقتربت من باب الراكب الجانبي وبدا عليها أثر المخدرات أو ربما الضرب. لم ينزل أليكس النافذة أو يفتح الباب. مدّت يدها إلى مقبض الباب فبادرها بإقفاله. وضعت وجهها على النافذة وابتسمت ابتسامة كبيرة. أصبنا بالرعب، وبدأ أليكس بالبكاء والصراخ وضاق نَفَسُه. وصلنا أخيرا الطريق السريع. عدنا إلى شقّتي، ولكن بقينا صامتين ولا نعرف ما نقول، ثم رحل كل منا في حال سبيله.

راسلني مايك لاحقا وقال أنه سيعود. حاولت إقناعه بالعدول عن هذا ولكنه ظل يقول أن الأمر كله في مخيلتنا وأن عقولنا أصابها الجنون. أظن أنه أراد فقط أن يذهب ليثبت لنفسه أنه ليس خائفا. أنا أشتمّ تلك الرائحة الكريهة في كل مكان الآن. لم أعد أخرج كثيرا، بل أبقى في بيتي ولا أفتح الباب.

كلّ شخص التقيته الأسبوع الماضي كان يتصرّف بغرابة، سواء من عرفتهم منذ زمن أو الغرباء. تناولت العشاء مع أبي في منزله وكان يراقبني بغرابة. لم يقل أي كلمة. سألته عدة مرات عما خطبه، ولكنه هزّ رأسه ببطء فقط.

عندما رحلت متجها إلى بيتي، استدرت ملوحا يدي لأودعه. كانت عيونه سوداء وفمه مفتوحا كما لو كان يتألّم. عندما بدأت بالمشي أغلق الباب بالقفل. عُدت ودققت على الباب ولم يجب. اتصلت به ولكن هاتفه مفصول. حتى أنني اتصلت بالشرطة، ولكن في منتصف المكالمة تلاشى الاتصال وحل محله التشويش. سمعت مع التشويش أصواتا خفيفة. أصوات غناء وضحك.

اختفى مايك تماما. لا يوجد حتى سجل يثبت أنه حي. عندما أتصل ببيته فإنه يتكلّمون معني كما لو كنت بائعا جوالا. اتصلت بعائلة أليكس وقالوا أنهم لا يعرفون أحدا بهذا الاسم وطلبوا مني ألا أتصل لهم ثانية. لا يمكنني الوصول لجون. أتى شخص ودقّ على بابي، وعندما شاهدته من العين السحرية رأيت وجها يغطّي محيط العين السحرية بالكامل وتعلوه ابتسامة عملاقة.

اتصلت بالشرطة ثانية وبدلا من التشويش، كانوا يتصرفون بغرابة.

"سيدي، هل تتعاطى أي مخدّرات في الوقت الحاضر؟"

"كلا".

"هل سترجع للبيت قريبا؟"

"ماذا؟"

"ترجع للبيت" وانتهت المكالمة.

أسمع فتحة البريد على الباب وهي تتحرك بين الحين والآخر. شخص ما يرمي قطعا من دمى الأطفال من خلالها. أحاول الاتصال بالناس وكلّ ما أسمعه هو تشويش وأصوات دمى تبكي وتصرخ. تلفزيوني معطل لكن أسمع صوته أحيانا. ربما أصبت بالجنون.

من يعيش فوقي بدأ مؤخرا يصرخ من الألم ويبكي. أسمع خطوات ثقيلة من شقّتهم، أسمع أشياء تسقط على الأرض. أسمع من الجيران إلى يمين شقّتي ما يبدو كطفل رضيع لا يهتم به أحد، وبعد ذلك أسمع صوت دمية طفل رضيع بدأت بطارياتها تفرغ.

هاتفي يرنّ الآن، وها هو أليكس يخبرني أشياء بلغة لم أسمعها من قبل. تأتيني رسائل إلكترونية لصور سوداء وصغيرة، والآن لا أقدر على دخول بريدي الإلكتروني. هناك شخص يدقّ على الباب، ثم يضرب جسده عليه. أسمع المزاليج تفتح واحدة تلو الأخرى، وأهرع إليها لأتأكد أنها مقفلة.

ثم أجلس وأبدأ بالبكاء.

https://creepypasta.fandom.com/wiki/Huntsville_Camping_Trip

ترجمة: Mr. Beshebbu

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق