الخميس، 12 سبتمبر 2024

صور الأقمار الصناعية

أراني أحد الأصدقاء كيف أستعمل خرائط جوجل. أنا متأكّد أنكم رأيتموها. تستعمل صور الأقمار الصناعية لترى المواقع في جميع أنحاء العالم.

قبل سنوات قليلة، تعرّضت لحادث سيارة، ولم أغادر البيت كثيرا منذ ذلك الحين. الأمر صعب، إذ أحس بالضيق عندما أرى سيارة تمرّ بجانبي. سحرتني فكرة أن أرى كل أنحاء العالم وكأنني موجودة هناك. وكأنني أتمشّى في تلك الشوارع.

أعجبت به على الفور. منحني عينا حقيقية على العالم. يمكنني الذهاب أيّ مدينة رئيسية، وهذا ما فعلته. بإمكاني أن أرى الشوارع في الصين واليابان وألمانيا وإنجلترا والعديد من الأماكن. بإمكاني أن أذهب إلى مقاصد جذب السياح مثل الحيد المرجاني العظيم أو قلعة دراكولا.

كانت لعبتي المفضّلة أن أذهب إلى مكان عشوائي في المدن الرئيسية وأعدّ ما أمكنني من الناس والحيوانات. تمت تغطية وجوه الناس لحماية خصوصيتهم، لكن من الممتع مشاهدتهم وهم يتمتّعون بحياتهم وهم يمشون هنا وهناك دون أي هموم.

لفتت نظري فتاة في طوكيو. كبّرت الصورة ورأيت حقيبتها الرمادية والتي تحملها بحزام كتف رمادي وأرجواني. كانت تمشي بارتياح ويدها تلمس الحائط بجانبها. أراهن أنني إذا رأيت وجهها، فسأراها تبتسم. شعرت بشيء من الحزن وأنا أشاهدها من كرسيّي المتحرك. تمنّيت أن أكون هناك وأمشي معها دون أي هموم. لكن هذا لن يحدث ما دمت عالقة في هذا الكرسي إلى مماتي.

اكتفيت من المشاهدة لهذه اللّيلة. أطفأت الحاسوب ونمت.

-----

نهضت مبكرا وقرّرت التجوّل في باريس. كانت باريس مدينة مرحة. أحببت منظر المدينة ببناياتها القديمة الجميلة وسكانها الكثيرين. قرّبت الصورة على منطقة عشوائية ورأيت شارعا محاطا ببنايات القرميد القديمة، وبضعة دكاكين صغيرة، وكنيسة قديمة من القرميد الأحمر. وجدت أمامي تقاطعا يعبره عشرات الناس. رأيت رجل أعمال أصلع يسرع الخطى، وينظر وراءه نحو امرأة عجوز، وكانت تغطّي شعرها بوشاح وتحمل محفظة كبيرة. رأيت امرأة ممتلئة تلبس سروالا أسود ضيق وكانت تحدّق في نافذة أحد المتاجر، وامرأتان تقودان مجموعة من الأطفال الصغار عند ناصية الشارع.

 

تقدّمت بالمشهد بضع مرات أخرى، وبعد ذلك رأيت شيئا غريبا. مقعد في موقف حافلات يجلس عليه شخصان. أحدهم شابّة مدّت أقدامها إلى الأمام. وكانت تلبس زوج أحذية رياضية حمراء، مثل التي عندي. تفاجأت للحظة عندما رأيت سروالها الأسود وقميصها الأبيض والسترة السوداء. كما رأيت حقيبة رمادية على المقعد بجانبها، حزام الكتف معلّق على كتفها.

هذا لا يصدق. لا يمكن أن تكون هذه نفس المرأة. لا يعقل أن تكون في بلد أخرى في قارة أخرى.

كانت هذه فكرة غبية. بالتأكيد لم تكن هذه صورا حيّة. إنهم يصوّرونها وبعد ذلك يخزنوها لفترة قصيرة قبل نشرها. لا يمكن أن تتواجد في مكانين معا. ربما كانت امرأة تحب الترحال. إضافة إلى ذلك، كيف أتأكد أنها نفس المرأة دون رؤية وجهها؟ كانت تفاصيل جسدها عادية، فلون شعرها البني شائع جدا؛ كما أنني اشتريت حذائي الذي يشبه حذاءها على الإنترنت، ولا بد أن العديدين حول العالم فعلوا ذلك أيضا.

تجاهلت الأمر وذهبت لأعد لنفسي الغداء.

-----

عدت على الإنترنت وقرّرت مشاهدة برلين، واخترت شارعا عشوائيا كالمعتاد، وبدا فارغا. هناك بنايات من القرميد تصطفّ على الشوارع، وتبدو كأنها مصانع أكثر من بنايات. كانت هناك أراضٍ فارغة أيضا مليئة بالعشب الطويل وأكوام الحصى. لم يكن هناك الكثير. صف من الدراجات النارية وسيارة عليها علمان ألمانيان في المقدمة. وجدت ولدا، وبدا أنه يلبس ثياب للمدرسة، وقد رمى سترته فوق حقيبته، وكان ينظر إلى هاتف محمول أو ما شابه. لم أجد ما يثير الاهتمام فقررت ترك المكان، ثم لحظت شيئا بطرف عيني. تحرّكت بالشاشة فرأيت ذاك الحذاء الأحمر اللعين.

كانت تقف عند ناصية شارع بجانب إشارة أو ما شابه. كانت تضع يدها على الإشارة وتنظر عبر الشارع، كما لو أنّها تنتظر لتعبره. حدّقت بها وأنا مصدومة. كيف تكون هناك أيضا؟ حتى إذا كانت تسافر كثيرا، فمن المستحيل أن أجدها في كل مرّة أبحث فيها. كان العثور عليها في باريس مجرّد صدفة خارقة، لكن هذا؟ هل هذه مزحة؟ هل قرّرت جوجل أن تلعب مقلبا على المستخدمين الذين يستعملون منتجهم كثيرا؟

قمت بحث سريع عن أي ملاحظة حول أي امرأة تظهر في أماكن عشوائية مثل ألعاب قوة الملاحظة. لم أجد شيئا. بحثت في المقالات عن الأشياء الغريبة التي يمكن أن تراها على خرائط جوجل، لكن أحدا لم يذكر المرأة التي تسافر العالم معك. كان هذا جنونا. هل أثّرت العزلة على عقلي؟ هل أصبحت وحيدة جدا بحيث خلقت هلاوس لنفسي؟

تركت صورة برلين على شاشتي، وأرسلت رسالة نصّية إلى صديق وطلبت منه النظر إلى المواقع. سألته إذا كان يرى نفس المرأة. ثمّ انتظرت ردّه وأنا على أعصابي. قفزت من الفزع عندما أصدر هاتفي رنة الرسالة النصّية بعد عشر دقائق.

قرأت النصّ، "أرى السيدة التي تتحدّثين عنها في برلين. لم أرها في باريس أو طوكيو. هل هذه لعبة أو ما شابه؟ هل أنتِ بخير؟"

لم أرد، ولكني عُدت إلى المواقع في طوكيو وباريس. كانت هناك، لكن المشهد كان مختلفا. لم تعد جالسة على مقعد موقف الحافلات في باريس. بل كانت تقف أمامه وتبحث عن شيء في حقيبتها. ذهبت إلى طوكيو، رأيتها تجلس القرفصاء لتلاعب قطّة منقطة. ارتعدت خوفا. من هي؟ ما الذي يحدث؟

انتقلت بالخريطة إلى بروكسل. ذهبت إلى شارع تحيط به بنايات قديمة ومتاجر. تفحّصت الشوارع بسرعة. كانت فارغة، عدا أن بها امرأة ممتلئة تلبس كنزة زرقاء. بحثت مجددا ولم أرى ذاك الحذاء الأحمر. تنهّدت في راحة. لا أصدّق أنّني بدأت أجنّ بسبب هذا.

كنت سأرى الأمر مجرّد صدفة، ولكن عيناي تجمّدتا أمام الشاشة. كانت هناك بناية على ناصية الطريق، وكانت بيضاء مع شرفة سوداء في الطابق الثاني ذات إطار حديدي. رأيتها تقف هناك على الشرفة، وقد أمالت رأسها باتجاه الكاميرا، وكأنها تنظر نحوي. أحسست وكأن أنفاسي كانت عالقة في حنجرتي.

انتقلت إلى سيدني. كانت تستند على الحائط عند مدخل صيدلية. ذهبت إلى لندن ووجدتها في باص بطابقين. كانت في كل مكان. تقف على رصيف من القرميد على جسر في فينيسيا، مشت على ممر مشاة بخطوط صفراء في زيوريخ؛ ووجدتها في هونغ كونغ وهي تقف بين مصرف ومطعم ماكدونالد وهي تعدّل وضع الحزام على حقيبتها. اقتربت منها أكثر في كلّ صورة، وقرّبت الصورة إلى وجهها المغبّش.

كان قلبي يخفق وكأنه طائر مرعوب داخل قفصه. لا يمكنني أن ألتقط أنفاسي. لا أعرف ما سأفعل. لا يمكنني أن أستدعى الشرطة. هل عليّ أن أرسل لقطات من الشاشة إلى جوجل؟

أحكمت قبضتي وأغلقت عينيّ. من هي؟ هل كانت تتبعني؟ أم أنا أتبعها؟ أتمنّى أن أرى تعابير وجهها وأعرف ما رأته عندما نظرت إلي. أردت الخروج من الكرسي والهرب. لكن لا بدّ أن أعرف.

كتبت اسم مدينتي واخترت شارعا عشوائيا. على بعد كيلومترات قليلة من بيتي عند بوابة متنزه المدينة، والتي كانت واضحة على نور الشمس، رغم أن الوقت ليل هنا. كانت هناك. تنظر إلى الكاميرا مباشرة، نحوي أنا. كانت قريبة مني وتراقبني. لقد أتت من أجلي. ماذا تريد؟

كتبت اسم العمارة التي أعيش فيها. رأيت العمارة من الخارج. كان الموقف مليئا بالسيارات، وهناك بضعة أطفال في الملعب وتم إخفاء وجوههم. بحثت عنها في كل مكان. لم تكن في موقف السيارات أو على الرصيف، ولا تختفي بين البنايات أو في ساحة اللعب. بحثت داخل السيارات، ووراء الأشجار، وكلّ النوافذ. لم تكن هناك. وضعت رأسي على الطاولة وأنا في غمرة من الراحة.

هذا المكان آمن. أنا لم أترك الشقّة بأية حال. لن أستعمل خرائط جوجل ثانية. لن أراها ثانية. بإمكانها أن تبقى في المتنزه للأبد. ابتسمت لنفسي.

"أنا بأمان"، قلت لنفسي. شعرت بالارتياح.

ثم سمعت طرقا على الباب. أحسست برعشة تسري داخل جسدي. كانت عندي كاميرا موصلة بحاسوبي لأرى من عند الباب الأمامي، إذ سهّل هذا عليّ مشكلة الحركة. مددت يدي نحو وحدة التحكم لأرى من بالخارج. ثم أدركت خطأي. آخر خريطة رأيتها كانت خارج البناية. الخارج فقط.

نظرت إلى الشاشة ورأيت امرأة تلبس قميصا أبيض وسروالا أسود، وسترة سوداء بقلنسوة؛ وتحمل حقيبة رمادية مع حزام كتف مخطّط بالأرجواني والرمادي. وبالطبع، كانت ترتدي حذاء رياضيا أحمر. نظرت مباشرة في الكاميرا، رأيت أن وجهها ما يزال مغبّشا. في الوقت الذي حاولت فيه أن أصرخ، رفعت يدها ودقّت بابي الأمامي بقوّة.

 

القصة: Satellite Images

https://creepypasta.fandom.com/wiki/Satellite_Images

ترجمة: Mr. Beshebbu

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق