الأربعاء، 17 يوليو 2024

اكتشاف النفس

 

أنا الآن صاحي. أحمد لله أنني حي. على الأقل هذا ما أظنه. جسدي كامل. باستثناء رأسي. شعرت وكأن به فجوة. لا أذكر أين أنا أو من أنا. ثم تذكرتُ شيئا. اسمي كما أظن. جون. أحاول تذكر شيء آخر، أي شيء. لا أتذكر الماضي أو الحاضر. أدركتُ الآن أنني لا أعرف شيئا عن مكاني. قلبي يدق بينما تركّز عيناي على محيطي. أنا في غرفة فارغة إلا من مكتب صغير وسرير. الجدران مصنوعة من حجر سميك، ربما لعزل الصوت. بحثتُ عن مخرج مثل أي إنسان عاقل. لم أجد حولي شيئا. هناك شيء واحد لفت انتباهي. ورقة على الأرض. التقطتها على أمل أن أعرف منها مكاني وما يحدث لي، والأهم أن أعرف من أنا. كانت تحوي ملاحظات من طبيب، وبها جملتان بسيطتان.

"إنه خطير. لا بد من اتخاذ إجراء". تركتني هذه العبارة في مزبد من الحيرة. اتخاذ إجراء؟ خطير؟ ما الذي فعلته لأستحق هذه العزلة؟ لدي الكثير من الأسئلة. لم يصل إلى رأسي المنهك إلا لحل واحد. الهرب. عليّ أن أغادر وأبحث عن أجوبة. أمعنت النظر في الجدران. هناك نقوش عليها. لم أفهم سوى واحد منها. بدأ قلبي يدق بعنف عندما قرأته: "لماذا لا يساعدني الموت؟" اتسعت عيني عندما انتبهت لحقيقة مرعبة. كانت مكتوبة بالدم. والأسوأ من ذلك أنه دم جديد. وكأن أحدا، ربما الطبيب، كان ينزف بغزارة. شعرتُ بالإغماء وسقطتُ على الأرض. حدقتُ في السقف. بدا لي قريبا جدا. إن مددت يدي لأقصى حد فيمكنني لمسه. لاحظت وجود حبل يتدلى من وسطه. شعرت بالفضول، فوقفت ومددت ذراعي نحو الحبل وشددته. انفتح الباب في السقف ونزلت منه سلالم عند قدمي.

رافقت نزول السلالم سحابة كثيفة من الغبار جعلتني أسعل بقوة. اندهشت من سهولة الأمر. تذكرت الملاحظة التي جعلتني أرى أنني لن أخرج أبدًا. صعدتُ السلالم ببطء. دخلتُ إلى ممر. رأيتُ مكبر صوت معلقا على الحائط وحوله عدة أزرار. إنتركوم. قررتُ أن أشغل الرسائل الأخيرة فربما تساعدني. ضغطتُ على زر رمادي. سمعت صوتًا مشوشًا يصرخ:

 

"ماكلوي خرج!"

رد صوت آخر "أعرف هذا. لا بد أن أمنعه".

"هل أنت مجنون؟ لقد قتل سبعين شخصا! لا يمكننا أن نفقد إنسانًا آخر!"

"لا بد من ذلك. أعلم أنني أقدر. مع السلامة".

"كلا! كريس؟ كريس توملي أرجو الرد! كلا…"

توقف التسجيل. لا أعرف إذا ما نجح ذلك الرجل، كريس توملي، أو فشل في إيذاء هذا الرجل. لم أرغب بمعرفة الإجابة بأي حال. واصلتُ المشي، وأحسستُ قدمي تحترق مع كل خطوة. رأيت بابًا مغلقًا وفتحته بسرعة. وجدتُ مكتبا. لا بد أنه كان مبنى مغلقًا. فرحتُ لرؤية حاسوب. ربما يمكنني الوصول إلى شخص ما. شغلته ودخلتُ على قوقل. بحثت عن اسم كريس توملي. استغرق الأمر بعض الوقت لكنني وجدته. "كريس توملي: أب لأربعة أطفال. يعمل في مصحة غراندل النفسية. وُجِد ميتًا في موقعه. نزف حتى الموت. كان عمله البطولي الأخير هو الإطاحة بماكلوي الشهير الذي كان يعذبه طوال أسبوع".

كان هناك رابط لاسم ماكلوي فنقرت عليه بدافع الفضول. ظهرت الصورة أمامي. كان رجلا مرعبا. لا أعرف كيف حصلوا على هذه الصورة. لكنه كان حقيقيا. شعرتُ بالرعب في عظامي. نظرت إلى الصورة عن كثب. كان رجلاً فظا، وبنفس طولي وبنيتي. كان يحمل منشارًا كبيرًا وكان وجهه مخفي في الظلال. كان يرتدي ملابس تشبه ثياب النجار. كان يلبس حزام أدوات حول خصره الهزيل. لم أتفاجأ أنه هزم بسهولة. حدقت أكثر بسلاحه. كانت صورة قديمة، إلا أن المنشار كان يومض. رغبت أن ألمسه. أمسكه وأقطع به شيئا. لا أدري من أين أتى هذا الشعور، لكنه غمرني، حتى أقول أنه تغلب علي...

أغلقت الحاسوب على الفور. هذا لم يكن أنا. إذا من كان؟ ما كان هذا الشعور، وكأنه وحش يخرج من قلبي؟ أرغب بمعرفة المزيد. قررت أن أتجول أكثر. تقدمت نحو إحدى غرف المرضى. نظرتُ إلى الداخل لأرى امرأة جالسة. تنفستُ الصعداء. ربما تعطيني بعض المعلومات.

"مرحبًا؟"

صرخت المرأة "كلا! كلا! ابق بعيدا! لم أفعل أي شيء! لا تفعلها!"

تراجعتُ للوراء. نسيتُ أن هذا مصح للأمراض النفسية. لا بد أنها مجنونة. ثم رأيتُ عليها بطاقة اسم. "جوليانا". إنها ممرضة، فلماذا تتصرف بغرابة؟

"اسمعي. أنا لست مريضا. صحوتُ ووجدتُ نفسي هنا ولا أعرف من أنا وأين أنا. لا أريد إيذاءكِ". قلت لها وجعلتُ صوتي هادئا ما أمكنني.

"أرجوك... أرجوك..." ارتجفت الفتاة في الظلام.

لم أفهم. قررت تركها. رأيت الباب الأخير في الممر. فتحته على أمل ألا أواجه سؤالا آخر. رأيتُ المنشار من تلك الصورة. اقتربتُ منه وكأن شيئا يدفعني نحوه. لمسته ووجدته دافئا ورطبا. حملته فنزلت قطرة حمراء من إحدى أسنانه. كدت أتقيأ. رميت المنشار على الأرض. لم أصدق كيف لأحد أن يفعل هذا. هدأ روعي والتقطتُ المنشار من جديد. حدّقتُ بنصله اللامع ومقبضه القوي. شعرتُ كان قوّتين داخل عقلي تتصارعان بعنف بين الاشمئزاز والإعجاب.

لم أجد أي مخرج بعد وبدأتُ أفقد الأمل. وجدت نفسي أمشي في دوائر. كل ما يدور في عقلي هو المرأة التي صرخت عليّ. في النهاية وقعتُ من الإنهاك والجوع. استيقظتُ لأجد رجلا يقف أمامي. كان يرتدي بدلة سوداء ناعمة.

نظرتُ إليه وسألته "من أنت؟" وحلقي جاف من العطش.

لم يردّ على سؤالي، بل قال "لقد خيّبت ظني يا جون. ظننتُ أنك ستتعافى بسرعة من ضربة صغيرة على الرأس".

سألت "ماذا تقول؟"

"فقدان الذاكرة. يا للأسف. ألم تفهم بعد؟"

"أفهم ماذا؟" سألته وقد ضقت ذرعا من طريقة كلامه المتعجرفة.

قال بهدوء "كيف أقول هذا؟ أنت جون مالكوي، وإذا لم تعرف من هذا..."

صرخت مصدوما "كلا".

"بل نعم" قال بكل هدوء.

"إذا كيف لا أقتل كل من أراه؟ لماذا لا أعرف مكان المخرج؟ لماذا بقيتُ طويلا حتى أتذكر اسمي؟ من أنت؟"

"هذه بعض الآثار الجانبية لفقدان الذاكرة. أما عن هويتي، فلك أن تقول أنني صديق".

"إذا أنت تقول أنني تغيرت".

"ليس بالضبط" وابتسم ابتسامة شريرة.

خشيت مما سيحدث بعدها. ثم أخرج الرجل ذاك المنشار الذي طارد مخيلتي.

"لا بد أن هذا يذكرك بشيء".

"كلا" كذبتُ وأنا أرتعش. أتمنى ألا يلاحظ.

"كذاب" همس بصوت مسموع.

"أنا لست قاتلا".

"لكنك قاتل. أنت قاتل منذ أن سرقوا منك عائلتك وبقيت وحيدا".

ما إن قال هذا حتى غمرت الذكريات عقلي. ماتت عائلتي أمامي وهربت أنا بحياتي. قررت أنه إذا كانت عائلتي مذنبة وتستحق الموت، فإن هذا يسري على الجميع. لم تعد أشياء مثل الأخلاق والمنطق تعني لي شيئا.

أحسست بحرارة الدم وهو يتدفق إلى عيني، وقلبي يدق بسرعة. أمسكت بالمنشار وأحسست أني كامل. سأعود ولن أتوقف.

القصة: Finding Myself

https://www.creepypasta.com/finding-myself

ترجمة: Mr. Beshebbu

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق