الأحد، 3 مارس 2024

الحمام العمومي

 


كان الوقت متأخرا. كانت الساعة الثامنة مساء في نوفمبر، وهذا يعني أن الليل قد حل بالفعل. لكن الجو لم يكن باردا، وكانت الريح لطيفة وحملت معها رائحة أوراق الشجر التي زيّنت الحدائق في الحرم الجامعي.

تجوّلت في المكان وأنا أستمتع بالطقس. كنت أحب الليل، وبالذات منظر النجوم. ولكن للأسف لا أراها هنا حتى في الليالي الصافية لأن الجامعة تقع على أطراف المدينة.

قابلني سنجاب صغير في الطريق، وتوقّف على بعد سنتمترات أمامي ونظر نحوي وهو يزقزق. لم يظهر عليه الخوف إطلاقا، فضربت الأرض بقدمي لأبعده. لكن المخلوق الصغير لم يهرب، بل استلقى على الأرض. فكرت أنه ربما عليّ أن أحمله، ولكنني أعرف أنه سيهرب. قرّرت تركه وشأنه.

في أطراف الحرم، يوجد حمام النساء الوحيد المفتوح في هذه الساعة. يُقفل الحرم أبوابه مبكرا يوم الجمعة، وبهذا كنت محظوظة لأن هناك واحدا لا يزال مفتوحا، خاصة وأنه ما زالت أمامي رحلة ساعة بالسيارة إلى بيتي، ولم أرغب أن أتوقف عند محطة البنزين لهذا الغرض.

وصلت إلى المبنى المنعزل، ونظرت خلفي. كان موقف السيارات على بعد عدة أمتار، وكان محاطا بسجادة من العشب الأخضر. أما أبنية الحرم فكانت مظلمة ولا تُعقد بها أي محاضرات الآن. لم أرى أحدا ومضيت في طريقي.

أطلق الباب صريرا عاليا عند فتحه وتردّد صداه داخل الحمام، وتساقطت قشور الصدأ عن مفاصله. كان الحمام عاديا، به مشمع على الأرضية وحيطانه بيضاء وهناك مصباح أصفر وحيد ينير المكان بحجراته الستة. كانت هناك مغسلتان ولفة واحدة من المناشف وورق الحمام. ذهبت إلى الحجرة بجانب حجرة المعاقين.

كانت رائحة الحمام فظيعة، وكأن حيوانا مات هنا وتم رميه في سلة القمامة. لم أهتم لأنني أعرف أنهم يرمون مختلف الأشياء المقززة هنا.

ولكن عندما انتهيت، سمعت صوتا يشبه اللهاث الخفيف، وكأن من يشغل الحجرة بجانبي يعاني من نوبة ربو.

 

لم أسمع صوت أحد يدخل الحمام، فقمت بعمل صبياني وهو اختلاس النظر. انحنيت إلى الأمام وطأطأت رأسي تحت الجدران الرقيقة الفاصلة نحو الحجرات الأربع على يميني. لم أر شيئا، ففكرت أن الصوت يأتي من حجرة المعاقين على اليسار، ولكن قبل أن أدير رأسي إلى الجانب الآخر، رأيت رجلين تنخفضان في الحجرة الأخيرة.

عندها أدركت أن أحدا ما يقف على كرسي المرحاض في الحجرة الأولى. ارتحت عندما عرفت مصدر الصوت. كنت على وشك الوقوف والمغادرة، ولكني رأيت الفتاة وقد أطلت برأسها من تحت الجدران.

كان مظهرها غريبا. شعرها أشعث وجلدها شاحب، وكأنها لم ترى الشمس منذ سنوات. كانت تقاطيع وجهها بارزة وبدا جسدها نحيلا. بدت أصغر من أن تكون طالبة في الجامعة، وربما كانت في المرحلة الثانوية.

لكن ما شدّني لمنظرها أن عينيها كانتا غائرتين، وكانتا سوداوين كالليل.

أدركت الآن أن الفتاة ضبطتني وأنا أتلصّص عليها. عدّلت من جلستي وأنا أشعر بالإحراج. هل أعتذر لها؟ وهل يعتذر الناس هكذا في الحمامات العامة؟ وما خطب عينيها؟

لم أهتم لأمر عينيها، وربما كان هذا من صنع خيالي. ربما كانت عيونها بنية داكنة وبدت سوداء من بعيد.

وقفت وأنا أستعد للرحيل، ثم سمعت صوتا غريبا. صوت احتكاك شيء بالأرض.

وقفت كل شعرة من رأسي. هل أخرجت تلك الفتاة نفسها من تحت باب الحجرة؟ ولماذا تفعل ذلك؟ هل كانت ضائعة؟ قد يفسّر هذا مظهرها. ربما هربت من والديها وقررت أن تلعب هنا بما أنه لا يُقفل حتى في آخر الليل.

قررت أن أتصل بالشرطة وأبلغ عنها في حال كانت مفقودة. كما لم أرد أن أخيفها إذ أن المسكينة بدا عليها المرض والجوع.

جلستُ ونظرتُ نحو الكابينة، ولكني وجدت أنها كانت في الحجرة قبل الأخيرة وليس الأخيرة كما اعتقدت. تجمّدت في مكاني عندما التقت عينيّ بعينيها.

كانت عيناها سوداوان بالفعل، بل كانتا بسواد الفحم. جلدها شاحب وكان متشققا في بعض الأماكن وكأنه جاف تماما ولا يتلقى أي رطوبة. ثم رأيت رقبتها التي لم أنتبه لها قبلا، وظهر عليها جرح طويل ورأيت على حوافها مادة داكنة وجافة.

لم أهتم لرؤية باقي جسدها. هذا الشيء ليس إنسانا.

وقفت وقد تملّكني الخوف. أحسست بأعصابي تتوتر وبأنفاسي ودقات قلبي وهي تتسارع وأن قلبي سيخرج من صدري.

أغمضتُ عينيّ وأنا متجمّدة مكاني وأتخيل ذاك الشيء يقفز نحوي ويقطّعني إربا. لا أعرف كم بقيت من الوقت هكذا، ولكني سمعت الفتاة وهي تتحرك مجددا. سمعت صوت دق، وكأنها تدق على الحائط برفق. قررت الهرب بما أني لا أملك خيارا آخر.

ثم توقف الصوت.

حاولت أن أصغي السمع لأي صوت وأحدد مكانها. لم أسمع شيئا. لا أصوات لهاث أو احتكاك أو دق. أما زالت هنا؟

أخشى أن أفتح عيني، فربما أجدها أمام مدخل الحمام، وربما أسوأ: قد أجدها أمام باب حجرتي.

فكرت بكل الاحتمالات. وفي النهاية قررت أن أتشجّع وأنظر من تحت الفراغ بين الجدران الفاصلة. نظرت إلى اليسار لأجدها قد اختفت. ثم نظرت نحو المدخل ولم أجد شيئا.

غمرتني موجة من الراحة قبل أن أسمع صوت احتكاك إلى يميني. نظرت إلى مصدر الصوت وأنا أخشى أن أرى ذاك الشيء يقف أمام وجهي، لكنني رأيت زوجا من أحذية النزهات البرية.

مرّت لحظة قبل أن أفهم الأمر. هناك شخص في كابينة المعاقين. ولكن متى جاء إلى هنا؟

لا يُهِم. يوجد أحد آخر هنا معي! لا أعرف من هو، لكن على الأقل لم أعد وحيدة.

ثم عاد صوت اللهاث، وهذه المرة من داخل حجرتي. تجمّدت مكاني لما بدا أنه دهر قبل أن أتجرأ على النظر فوقي.

كانت هناك.

غمرتني هبة من الهواء النتن، أقوى بكثير من الرائحة الكريهة من قبل. كان وجهها ملتويا من الغضب. كشّرت شفاهها المتشققة لتُبرز أسنانها المتعفنة. ثم نظرت إلى عينيها فعرفت ما كانت تريده. إنها جائعة وتريد التهامي.

كان هذا الحافز الوحيد الذي احتجته لأهرب. فتحت باب الحجرة بقوة لدرجة أن القفل انكسر.

أردت الهرب إلى سيارتي والعودة للبيت، وأن أختبئ داخل سريري وأدّعي أن هذا مجرّد كابوس مزعج، وكنت سأنجح لولا الفتاة التي التقيتها في طريقي.

كدت أصطدم بها ولكنّي تفاديتها في الوقت المناسب. نظرت لي نظرة غريبة قبل أن تدخل الحمام. كان يجب أن أحذّرها مما ينتظرها في الداخل. ولكني وقفتُ وحاولتُ أن أصغي لأخفت الأصوات، ولم أسمع سوى الصمت. تجاهلتني الفتاة ودخلت.

وبعد لحظات قليلة، بدأت أجمع كلّ قطع الأحجية. لا بدّ أن من كان في كابينة المعاقين رفع قدميه عندما دخلت. ربما كان يسجّل الأصوات ويترقّب صرخاتي، أو حتى كان يصوّرني في الحجرة. ربما كانت تلك الفتاة مجرّد ممثل أراد إخافة أيّ مسكين يدخل المكان.

أسرعت إلى سيارتي. أبلغت الشرطة عن ذاك النذل. سواء كان هذا مقلبا أم لا، فهو مخالف للقانون. كان ردّهم أنهم سيبحثون في الأمر وبإمكاني الذهاب إلى بيتي دون أن أقلق. ولكني ندمت على هذا.

وصلت على الحرم الجامعي اليوم التالي لأجده مقفلا ويعجّ بسيارات الشرطة. قُتلت فتاة في حمام النساء ليلة أمس. الوقت المحتمل للوفاة هو 8:34 مساء. كانت هي الفتاة التي قابلتها.

على ما يبدو فهناك سلسلة من الجرائم حدثت في المدينة. ذكر البعض رؤيتهم لرجل يخرج من حمام النساء حيث عُثر على جثث البنات. وكان ينتظرهن داخل كابينة المعاقين إلى أن ينهضن لغسل أيديهن، ثم يخرج ويفاجئهن من الخلف ويحزّ رقابهن.

أيا كان ذاك الشيء في الحمام، فقد أنقذ حياتي.

 

القصة: Public Restrooms

الكاتب الأصلي: Darksparx

https://creepypasta.fandom.com/wiki/Public_Restrooms

ترجمة: Mr. Beshebbu

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق