الاثنين، 12 فبراير 2024

داخل الظلام

 


بدأ كل شيء بعد انتقالي إلى منزلي الجديد. أعلم أنها فكرة مستهلكة، ولكن هذا ما حدث. لم أختبر أبدًا أي خوارق طبيعية من قبل، ولم أتوقع أبدًا حدوث أي شيء غريب.

استأجرته بسعر رخيص. لم أستغرب ذلك لأنه قديم وليس في حي راقي، وبهذا رأيت أنها صفقة رابحة. نقلتُ كل أشيائي إليه، وسارت حياتي بخير لفترة.

لا أذكر كيف بدأ الأمر بالضبط لأنه كان بسيطا جدًا وقتها. أترك المصباح مضاءً في المطبخ أو الحمام وأعود لأجده مطفأ. فكرت أنني أنسي إطفاءه. بعد فترة، بدأت أستغرب ما يحدث، وتركت بعض المصابيح مضاءة عن عمد. في بعض الأحيان، لا يحدث شيء. وفي أحيان أخرى، أعود فأجدها مطفأة.

اكتشفتُ عندها أن هناك شيئًا مريبا. لم أكن خائفًا، بل محتارا فحسب. فكرت أن هناك خللا في الأجهزة، فقمت بترك مصابيح أخرى مضاءة (وهو ما أهلك فاتورة الكهرباء) حتى ألاحظ أي علامة على انطفائها بشكل عشوائي. وهنا بدأت الأمور تأخذ منعطفًا آخر.

أول مرة أتذكر فيها حدوث شيء مجنون هي عندما تركت مصابيح المطبخ وغرفة المعيشة مضاءة وذهبت لأنام. استيقظت على صوت زئير خافت قادم من المطبخ. أتذكر أنني استيقظت وفكرت أن حيوانا دخل منزلي. نظرت عبر الممر باتجاه غرفة المعيشة (وهي متصلة بالمطبخ) لأرى المكان مظلما. قام أحد ما بإطفاء نور المطبخ. سمعت زئيرا خافتا آخر، وهذه المرة أتى من غرفة المعيشة. كدت أصرخ عندما رأيت شيئًا يجري بسرعة خاطفة داخل غرفة المعيشة ثم أطفأ مصباحها. لم أستطع تحديد ماهيته. بدا كظل أسود أو ما شابه. لم يكن هذا مهمًا. خرجتُ من سريري وأشعلت مصباح غرفة النوم، متوقعًا وجود شيء فيها وأنه يريد الانقضاض عليّ.

 

لم أرى أي شيء في الغرفة. تنفست الصعداء ثم تقدمت ببطء نحو غرفة المعيشة. وما إن وصلت لبابها حتى أسرعت لأشعل المصباح. لم أجد شيئا. ثم ذهبت للمطبخ وأشعلت مصباحه، وكان فارغا هو الآخر.

بدأت أفكر أن هذا مجرد حلم. أنا رجل بالغ ولكنني أخشى إطفاء النور. أعترف أنني نمت وتركت كل المصابيح مضاءة في تلك الليلة.

كانت هذه غلطة.

استيقظت في الصباح التالي لأجد الأنوار كلها مطفأة. خرجت من السرير وأحسست بجسدي يؤلمني. رفعت الملاءة لأجد خطوطا حمراء طويلة تمتد على أطرافي، وكأن أحدا خمشني وأنا نائم. أصابني المنظر بالرعب، ولكن ليس بنفس رعب ما رأيته بعدها.

جميع المصابيح التي تركتها مضاءة كانت محطمة.

أحسست بجفاف في حلقي ونظرتُ حولي. هناك شيء مخيف في هذا المكان، وهو يحاول أن يلعب بي. اتصلت بالعمل لأغيب وقضيت اليوم في استبدال جميع المصابيح.

لم أعرف ما يجب فعله. فكرت بالرحيل، ولكن هذا المكان أصبح بيتي.

لم يكن بمقدوري النوم والنور مضاء حتى عندما بدأت أخاف الظلام. كنت أطفئ غرفة نومي، ولكنني أترك نور الممر أو غرفة المعيشة حتى أرى في الظلام. أصحو كل ليلة على صوت الزئير الخافت في غرفة المعيشة ثم يُطفأ النور. لم أرغب بالنهوض وتفقد الأمر. كنت مرعوبا من فكرة وجودي في نفس الغرفة مع هذا الكائن. لففت جسدي تحت ملاءتي وأنا أصلي ألا يأتيني ذاك الشيء.

وذات ليلة، قررتُ أنني اكتفيت. اشتريت مسدسا وأشعلت جميع المصابيح في المنزل. جلست في غرفة المعيشة وأنا أحضن مسدسي ووضعت بجانبي مضرب بيسبول. انتظرت. لم يكن هناك شيء في البداية، ثم سمعت الصوت في الثانية صباحا. الغريب أنه كان ورائي. استدرت نحو الممر إلى غرفة نومي وسمعت الزئير. بلعت ريقي وحملت مسدسي بيد والمضرب باليد الأخرى، ثم تقدمت ببطء لألقي نظرة أفضل على غرفة نومي. ثم سمعت صوت دق عالي يتبعه زئير غريب. اختفت شجاعتي وقفزت للخلف عائدا لغرفة المعيشة. كنت أرغب أن أنهي هذه المحنة، لكني خشيت أن أواجه ذاك الشيء. سمعت صوت نقر، ثم سكون. نظرت عبر الممر من جديد لأجد النور مطفأ من جديد. أخذت نفسا عميقا وتقدمت ومعي أسلحتي.

عدت إلى غرفة نومي وأشعلت النور من جديد. صدمني المنظر. كان سريري مدمرًا وممزقًا. كما لو أن حيوانا قفز عليه ومزقه إلى أشلاء. تقدمت لأتفقد ما تبقى منه. وقفت مكاني جامدا حتى سمعت صوت الزئير المألوف. استدرت لأراه يقف قرب الباب عند مفتاح النور.

كان رجلاً أبيض ذو جسم عفن ومشوه، وكأنه كان لعبة قد مضغها كلب في يوم ما. كان يحدق بي. كنت مذهولا لدرجة أنني لم أرفع أسلحتي. حدق في وجهي للحظة ثم أطفأ النور. صرخت وهربت. لم أهتم بمواجهته. ركضت كالمجنون نحو الأمان تحت نور الممر حتى أنني تجاوزت موقعه. نظرتُ ورائي لأجده عند مفتاح النور. أطفأه هو الآخر. لم أرغب بالقتال. هرعت مسرعا إلى المطبخ.

سمعت الزئير والخدش من حولي وعرفت أنه سيعود. نظرتُ ورائي لأرى الرجل المشوه يطفئ نورا آخر بإصبعه المكسور ويغرقني في ظلام مرعب. هربت إلى غرفة المعيشة.

سيكون هذا معقلي الأخير. عليّ القتال هنا. اقتربت من المصباح القائم الذي كان خط دفاعي الأخير. انتظرت قدومه ليطفأه ولكنه لم يفعل. كان المكان هادئا. وجدت نفسي أضحك كالمجنون. ما زلتُ حيا وظننت أنني الآن بخير. اقتربت من المصباح حتى كدت أعانقه.

ثم رأيته.

سمعت الزئير يصدر من أمامي، بل أنه يصدر من هذا المصباح. حدّقتُ به متجمدا وأنا أرى نوره يشتدّ. تراجعت للوراء وتعثرت على الأرض. لم أدري بنفسي إلا وأنا واقع على ظهري وأنا أحدق في النور الساطع. نور حار وقوي حتى ظننت أنه سيحرقني. ثم ظهر.

لا أملك كلمات تصف ما خرج من نور ذلك المصباح. كان بشعًا وحقودا. لن أنسى تلك العيون. براقة وحامية. دائرتان متوهجتان تشعّان بحقد نقي. أحسست أنه يكرهني أشد الكره. بل ويكره جميع البشر. لكنه عالق هنا، وسيطلق ما استطاع من غضبه. أحسست أني أعرفه حق المعرفة، لكني لا أعلم كيف خطر ببالي هذا. اندفع نحوي وأعددت نفسي لموت مؤلم.

ثم صوت نقر.

انقطع النور وعاد الظلام. أحسست بالهدوء والراحة. بقيت على الأرض لفترة وتركت عيني تتكيف على الظلام، ولكني أبقيتهما مركّزتين على المصباح. بدأت أميّز الأشكال مع مرور الثواني. رأيت خيال الرجل المشوه يقف بجانب المصباح، ويده على المفتاح وينظر إليّ.

فهمت ما يعنيه. رفع الرجل يده عن المصباح ثم أشار بإصبعه تجاهه قبل أن يهز رأسه على جانبيه. وجدت نفسي أومئ رأسي موافقا.

لم يحاول إيذائي. بل كان طوال هذا الوقت يريد حمايتي. هذا الوحش يأتي في النور. ربما كان الرجل المشوه ضحيته، ولم يرد أن يكرر شخص آخر غلطته الأخيرة.

خرجت في اليوم التالي ولم أنظر ورائي أبدًا. أيا كان ذاك الشيء فهو متصل بذلك المنزل، وحتى الآن لم أرى مثله في أي نور آخر. لكنه سيبقى في ذهني دائمًا. اعتدت في كل ليلة أن أتجول داخل شقتي الجديدة وأتأكد من إطفاء كل الأنوار وإغلاق كل الستائر، وأغمر نفسي في ظلام دامس ومريح وآمن.

 

القصة: Darkness

https://old.reddit.com/r/nosleep/comments/ygl4i/darkness

ترجمة: Mr. Beshebbu

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق