الخميس، 18 يناير 2024

السيد أراتا

 

هل سبق أن عادت بك الذكريات إلى سنوات طفولتك وتساءلت أي من ذكرياتك هي حقيقة وأيها من صنع خيالك؟ هل راودتك ذكرى وفكرت أنها كانت مجرد حلم؟ عقولنا قادرة على فعل الكثير، ولست متأكدًا مما حدث بالضبط خلال طفولتي.

أتذكر سنوات روضة الأطفال، وأنني كنت أكرهها. لكن ذاك شعور حيال الروضة تجاوز الكراهية بحلول نهاية العام. لا تزال الذكريات المبهمة من تلك الأيام تطفو في ذهني من حين لآخر. أتذكر رؤيتي لأشياء كانت أكبر من فهمي وإدراكي. صور وأصوات غامضة بالكاد أتذكرها. كنت أعاني الكوابيس سابقا. أعتقد أن ما يخيفني الآن هو ذكرى الأحاسيس من ذلك الوقت.

عثرت مؤخرًا على ألبوم صور قديم من سنوات الروضة وأعادني بالزمن. رأيت صورة معلمي. كان رجلاً يابانيًا عجوزًا يدعى السيد أراتا. كان غريب الأطوار. لم يبدو ودودًا أبدا مع الأطفال، بل كنا جميعا نكرهه. كان السيد أراتا سريع الانفعال وكثير الغضب، لكنه بالتأكيد يعدّل سلوكه عندما يراقبه مدير المدرسة أو مدرسون آخرون.

أتذكر في أحد الأيام حين أخبرتني أمي أن أحد زملائي في الصف قد اختفى. كانت تشاهد الأخبار بقلق. ثم أخرجتني من المدرسة عندما اختفى طفل ثان في صفي. قالت أنها ستعيدني عندما يعود الوضع آمنًا. فرحت لغيابي عن المدرسة. كنت صغيرا ولم أفهم ما يعنيه اختفاء طفل. عدت للصف بعد فترة. تم العثور على الأطفال، لكنهم لم يعودوا للمدرسة وانتقلوا لسبب لا أعرفه. سمعت زميلة في الفصل تقول أن الأطفال المختفين لم يتذكروا ما حدث لهم. قالت أنهم "تعرضوا لجرح تحت سرّتهم وتمت خياطة الجرح". كانت تعرف هذين الطفلين جيدًا. أعتقد أن اسمها كان كاتي أو كيتي. افترضت أنها كانت تكذب فحسب. حتى وأنا بعمر السادسة، لم أكن ساذجًا كفاية لأصدق هذا الكلام.

 

ظلت كاتي على تواصل مع الطفلين اللذان اختفيا سابقًا بعد انتقالهما من المدرسة. أتذكر في وقت لاحق من العام أن كاتي تحدثت عن وفاة أحدهما، وأخذت إجازة لأسبوع من المدرسة بسبب ذلك. قالت إن الطفل ظل مريضًا منذ أن عثروا عليه. اعتقدت أنها تختلق المزيد من الأكاذيب لمجرد جذب الانتباه، لكني أتذكر الآن أنها بدت حزينة. الأطفال الصغار ليسوا بارعين في التمثيل.

ثم أتى يوم حلمت فيه بكابوس رهيب. كان مجرد يوم طبيعي. أذكر أنها كانت فترة الغداء، وثم نهضت بعد قرع الجرس لأعود إلى الفصل. هذا آخر ما أتذكره قبل أن يصيبني الكابوس.

فجأة، وجدت نفسي مربوطا على طاولة. كنت أرى نوافذ مظلمة على الجدران الضيقة بجانبي. كنت في غرفة مستطيلة وضيقة. أتذكر أنني شعرت بالأربطة على معصمي وكاحلي. نظرت إلى جانبي، ورأيت صينية بها أدوات جراحية. لم أعرف كيف أتيت إلى هنا أصلا. كنت مرتبكا وعلى وشك البكاء. ثم دخل رجل يرتدي ثياب طبيب. لم أميّز وجهه بسبب الظلام. نظر إليّ للحظة ثم أشعل نورًا ساطعًا فوقي، مثل الذي عند طبيب الأسنان. كان يرتدي قناع طبيب وكانت نظراته جامدة. كنت مذهولا من الخوف. مد يده إلى مشرط في الصينية. صرخت وبكيت. قال الرجل بضع كلمات، لكنني لم أفهم ما قاله.

استيقظت على توبيخ السيد أراتا. كنت نائما على المدرجات في صالة الرياضة حيث ننتظر حافلاتنا. أخبرني أنني نمت وضيّعت حافلتي. أعادني إلى فصله واتصل بأمي لتأتي وتأخذني. بدأت أبكي بمجرد أن تذكرت الحلم. لم يحاول مواساتي. لم يسألني حتى عن مشكلتي. بل حدق في وجهي. أخبرته أنني حلمت بكابوس رهيب، وأومأ برأسه ليعبر عن لامبالاته. قضت أمي اليوم كله تحاول مواساتي وتهدئة روعي. الجزء المخيف هو أنه عندما أحلم بكابوس مخيف، فعادة ما أستيقظ حالما يصيبني الرعب. لكني بقيت أصرخ وأتخبط طويلا ولم أستيقظ. بدا كل شيء حقيقيا.

كنت مقتنعا على مر السنين أن هذا مجرد خيال. بدأت أدرس في المنزل لأنني كنت خائفًا من العودة للمدرسة. راودتني أحلام أخرى حول هذه التجربة. لكن هذا لم يشبه ما يحدث مع الكوابيس المتكررة، إذ أن تلك الأحلام لم تكن بواقعية الكابوس الأصلي. وكأنني أرى التجربة الأولى في شكل حلم.

بعد سنوات، عندما أصبحت بالغًا، زرت جدي في المستشفى. أعادتني رائحة المستشفى المميزة للماضي وذكرتني بالغرفة المظلمة. ذهبت إلى منزل والديّ وقلبت بعض ألبومات الصور القديمة، بحثًا عما يرضي فضولي. وجدت صورة للفصل والسيد أراتا. كانت هناك كتابة على ظهرها، لكنها لم تكن بالإنجليزية. خمنت أن الكتابة كانت باليابانية. أحد أصدقاء والدي يتقن هذه اللغة، فأخذت الصورة له وقام بترجمتها لي. قال النص، "قضيت وقتًا رائعًا في العمل عليك هذا العام".

عدت إلى ألبوم الصور وواصلت البحث. لم أرد أن يكون حلمي حقيقة، لكن عليّ أن أعرف الإجابة. كانت هناك صور لي وأنا أؤدي مختلف الأنشطة. حتى أنني وجدت صورًا لأمي عندما أحضرت كعكات للفصل في عيد ميلادي. كان السيد أراتا في كل صورة تقريبا، ويحمل نفس النظرة الصارمة على وجهه. رأيت صورة التقطتها أمي أثناء مسرحية مدرسية وبدت أغلظ من الصور الأخرى. لاحظت وجود شريط لاصق على حافة الصورة. تم لصق صورتين معًا. أخذت سكينًا وفصلت الصورتين عن بعضهما. اكتشفت وجود صورة أخرى بالفعل، ويظهر فيها طفل صغير مربوط على طاولة في غرفة مظلمة. قارنت الصورة مع الصور الأخرى وأدركت أن هذا الطفل هو أنا. نظرت إلى ظهر صورة المسرحية (والتي تم وضعها فوق صورة الطاولة) ووجدت عليها كتابة يابانية أخرى. أخذت الكتابة إلى صديق أبي. استغرب مما قرأه.

"جئت إلى هذا البلد لمواصلة عملي في منشوريا".

القصة: Arata

https://www.creepypasta.com/arata

ترجمة: Mr. beshebbu

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق