الأحد، 31 أكتوبر 2021

عملاق أنتيغوا

 


كنت أمارس الغطس لفترة من الزمن قبل أن أتوقف عنها. كنت أعشق هذه الهواية، وكانت عندي رخصة وكل المعدات. كان المنظر جميلا في الأسفل. كنت أرى الرمل المزخرف، والماء يجري فوقي كأنه سحاب أزرق، ووميض نور الشمس والأسماك ذات الألوان البراقة. نلت حصتي من متعة استكشاف حطام السفن والكهوف، لكن أفضل تجربة هي الغوص إلى الأعماق، ورؤية مخلوقات أعماق البحر وهي تبحث عن غذائها.

هذه قصة آخر رحلة لي. كنت أغوص قرب جزيرة أنتيغوا حوالي أربعين قدما (12 م) تحت الماء. كان معي خزانان لذا أمكنني البقاء لعدّة ساعات. انحدر الجرف الرملي يساري إلى الصخر والمرجان. لم أرى الكثير ذاك اليوم وبدأت أصاب الملل، لكن لاحظت وجود أخطبوط كبير. كان من النوع الذي يعيش في عمق البحر، ولا بد أنه انجرف إلى السطح بما أنها لا تصعد إلى هنا. بدا بطيئا ولم يحدث ردة فعل عندما سبحت فوقه.

إذا اقتربت من أخطبوط فإنه سيهرب خلال ثواني، وقد يغيّر لونه ليختبئ وسط بيئته. قد لا تفعل كل الأنواع هذا، ولكنها بارعة في الاختفاء. لذا فإن رؤية أخطبوط من عمق البحر عن قرب هو فرصة نادرة. كان طول جذعه نحو قدم من التاج إلى المنقار ولونه أخضر داكن. كانت لوامسه ملتفة حول جسده. بدت عيونه كحلقات ذهبية حول بؤبؤ أسود ضيّق. بدا لي كأنه يعاني صعوبة في الحركة وبدا شبه ميت.

قرّرت أن أقترب منه. كانت هناك بعض أسماك السريولا صفراء الذيل تسبح قربي، فاصطدت واحدة بسكيني واقتربت من الأخطبوط بحذر وعرضتها عليه. دفعتها أمامي وتركتها تنساب نحوه. مدّ الشيء ذراعه بتكاسل نحو السمكة، ثم جلبها إلى منقاره والتهمها. اقتربت منه وأنا أحاول أن أجعله يعتاد وجودي.

بعد نصف ساعة أو نحوه، أصبح أكثر حيوية وتعوّد على رفقتي. قَبِل هديتي وبدأ يلعب معي، فكان يندفع مبتعدا ثم يعود. كنت أحمل عصا لأفحص بها الحفر والطين، ففكرت أن أعلّمه لعبة جلب العصا كالكلب. لوّحتها أمامه حتى جذبت انتباهه، وبعد ذلك رميتها إلى جانبه. لم تذهب العصا لمسافة بعيدة، ولكن الأخطبوط لحقها وأمسكها بلوامسه. لم يعدها إلي، فسبحت نحوه. قام بتلويح العصا أمامي ثم رماها إلى جانبي. كان يقلّدني!


خطرت لي بعدها فكرة مثيرة. رأيت بجانبي صخرة مسطحة كبيرة مغطاة بالطين. رسمت عليها رجلا بالعصا: بضع خطوط بسيطة للساقين والذراعين ودائرة للرأس وأسطوانة للجسد. كان الأخطبوط يراقبني. رميته له العصا وأمسكها بسهولة. جلس مكانه وبدأ يلعب بها، ثمّ مدّ العصا وبدأ بالرسم على الطين. لم يكن رسما متقنا بالتأكيد، ولكنه كان يرسم. دمج الرأس والجسم في كرة واحدة، ثم رسم الكثير من السيقان. كنت سعيدا لأنه يقلّدني. كنت أسمع أن الأخطبوطات ذكية، لكن هذا كان مدهشا. ثمّ أدركت شيئا: الأخطبوط لم يقلدني، بل كان يرسم نفسه!

كانت نتيجة هذه التجربة مذهلة. لو أحضرت معي كاميرا فيديو وقتها لكنت مشهورا اليوم. حيوان آخر غير القرد قادر على التخيل والوعي الذاتي. هذا الأخطبوط لا يملك عمودا فقريا ولكنه يملك قدرة عقلية. سيقلب هذا علم الأحياء رأسا على عقب.

أعاد الأخطبوط لي العصا وبدأت أنا برسم مخلوقات البحر الأخرى والمشاهد العادية، ورسم الأخطبوط بقدر ما رسمت. بقينا على هذه الحال لساعة أو نحوه. ثم رسم شيئا فهمت أنه غواصة، حيث رسم البرج ومروحة الحركة وفتحات الصواريخ. ثم قادني الأخطبوط إلى الجانب الآخر من الصخرة، ثم رسم نفسه مجددا ورسمني بعد ذلك. كانت هذه الأشكال صغيرة جدا. ثم بدأ برسم شيء أكبر بكثير. اعتقدت في البداية أنه حوت، لكني أعرف أن الحيتان بحجم بالغوّاصات تقريبا، لذا لم يبد قياس الحجم صحيحا. كما أن الأبعاد خاطئة كليا: فقد بدا محدبا ومضغوط الجسم، كما لو كان عموديا ومعقوف الجسد. كما برزت منه أجزاء غريبة لم تبدُ كالزعانف. هل هي محطة نفط بحرية؟ ل يمكن، فالخطوط بدت طبيعية جدا، وبالتأكيد لا يعرف الأخطبوط شكل قمة المحطة.

انتهى من الرسم، وجلسنا كلانا لنشاهد النتيجة. أخذت العصا من الأخطبوط وأحطت رسمي ورسمه بدائرة، وبعد ذلك رسم خطا يمتدّ إلى الشيء. لست متأكّدا إذا أدرك الأخطبوط عدم فهمي، لأنه بقي جالسا مكانه. لم يحاول أخذ العصا مني. ثمّ سبح مبتعدا، وتبعته لمسافة. حافظ على سرعته أمامي وكأنه يستدرجني. ثم انطلق مسرعا إلى المنطقة العميقة من الجرف الرملي. كنت قد بدأت باستهلاك خزان الأكسجين الثاني ولا يجب أن أنزل أعمق من هذا، لذا توجّب أن أدعه يذهب. توقّف لحظة ليراقبني، وبعد ذلك اندفع إلى الأعماق المظلمة. انتظرته لبضع دقائق علّه يعود ولم يظهر، فقفلت عائدا إلى المركب.

ثمّ سمعت فجأة صوتا رنانا خافتا من حولي، وكأن آلاف الأوتار تُنقر مع بعضها. لم يكن عاليا، لكنّه كان كبيرا وكأنه أتى من قاع المحيط. سمعت عن فوران البراكين تحت الماء، لكنّي لم أشهد واحدا من قبل، وتساءلت إن كنت على وشك رؤية واحد منها. لكنه لم يكن طبيعيا. بدا كصوت حيوان، وأحسست أنه صادر من مكبر صوت بعيد. سنحت لي لاحقا فرصة فحص سجلات رصد الزلازل من ذلك اليوم، ولم أجد ما يفسّر ما سمعته. أذكر أنني رأيت السمك وهو يندفع هنا وهناك وكلها تتجه نحو الشط. لم يشمل هذا أسماك الشعب المرجانية فحسب، بل حتى أسماك الأعماق الكبيرة التي تجاوزتني بسرعة كبيرة. فجأة ظهر الأخطبوط ثانية، أو ربما كان واحد يشبهه. سبح عائدا وراقبني بغرابة، ثم تجاوزني مع بقية السمك. عاد صوت نقر الأوتار من جديد.

نظرت لعمق البحر ولحظت وجود رقعة كبيرة مظلمة. لم أقدر على تحديد حجمها أو بُعدها بدقة. لم أقدر على تحديد ماهية ذاك الشيء في الماء العكر، لكن من الواضح أنه لم يكن حوتا أو شيئا من صنع الإنسان. لم أعرف أيضا إن كان مخلوقا واحدا. أظن أني رأيت مجموعة من أعشاب البحر أو لوامس قناديل البحر تخرج منه، ولكن حجمها كبير. ربما أفسر الأمر على أن جزءا من الحيد المرجاني انفصل وبدأ يطفو. على الأقل الجزء الذي رأيته؛ ظهر لي أنه يختفي في تلك البقعة من الظلام وكأنه طرف من أطراف كائن أكبر. لم يسبق لي رؤية ناقلة بحرية من تحت الماء، وتخيّلت أن هذا شكل ظلها تحت الماء.

عاد صوت النقر للمرة الثالثة، واستولى الخوف على عقلي. كان الشيء أكبر من أي شيء رأيته، ولكنه كان بعيدا جدا ولن يصل إليّ بسرعة، ولا يظهر أنه قادر على الاقتراب من المياه الضحلة. ولكن غلب عليّ إحساس أنه إن لم أفلت منه سريعا فسيجرني إلى الهاوية ويلتهمني. حتى أنني أحس بالماء وهو يسحبني نحو فمه الأسود. اندفعت لأعلى دون التفكير بالعمق أو أجهزتي. بدأت أصاب بالتشنجات وأنا أصعد، لكنّي واصلت الصعود إلى السطح. ما زلت بعيدا من المركب. وصلت للسطح وأنا مجهد، وأبقيت قطعة التنفس على فمي لأنني لم أستطع أن أبقي فمي فوق الماء. لم أقدر على مناداة المركب أو التأشير له. زاد الهلع بداخلي بدل أن يخبو. لم أرى الشيء من فوق الماء ولم أعرف إن كان قادما نحوي. انطلقت ببطء نحو المركب وأنا أتألم. لحسن الحظ، انتبه لي أحد الركاب وأنقذني. كان عليّ أن أبقى في المستشفى لبضعة أسابيع حتى أتجاوز أثر إجهاد الصعود السريع. أخبرني الأطباء أنني محظوظ لأنني لم أصب بسكتة أو شلل أو مشكلة أخرى خطيرة لبقية عمري.

هذه قصتي. آسف لأن خاتمتها لم تكن مرضية؛ أنا نفسي لا أعرف ما الذي واجهته. تلك الهلوسات كانت واضحة وجلية. أنا أخشى الماء منذ ذلك الحين. حاولت أن أذهب للغطس مرة أو مرتين، لكن كل ما فعلته هو البقاء في المركب وأنا أرتجف. أعتقد حقا أن شيئا ما هناك، وهو شيء لا أريد أن أصادفه مرة أخرى.

 

القصة: The Antiguan Giant

https://www.creepypasta.com/the-antiguan-giant

الكاتب الأصلي مجهول

ترجمة: Mr. Beshebbu


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق