الاثنين، 9 يوليو 2018

الراقص في الليل


هل سبق أن راودك هذا الشعور أن شيئا ما ليس على ما يرام؟ لا أقصد خلال النهار، ولكن في الليل. أعني هذا الشعور المفاجئ وغير المبرر بالفزع والذي يأمرك أن يستيقظ. وكأن شيئا شريرا وسط الليل يطلق إشارة ويلتقطها دماغك النائم. راودني هذا الشعور مؤخرا. أجبرني على الاستيقاظ في الثالثة صباحا. عادة يراودك هذا الإحساس عندما تكون مستلقيا، أو تتظاهر بالنوم، أو تشعر أنك مغامر وتقرر أن تأخذ جولة سريعة حول المنزل. وعندما لا تعثر على شيء فستعود حتما إلى النوم. كان علي فعل هذا هذه المرة.

كان يجب أن أظل نائما.

في تلك الليلة جلست منتصبا. جلست مطوّلا وأنا أحدق في الظلام حتى قبل أن أدرك أنني كنت مستيقظا. ثم أتى الخوف، هذا الشعور الخانق البطيء الذي يضيق على صدرك ويزحف نحو حلقك. كنت وحدي في بيتي وعيناي مفتوحتان على مصراعيهما ويعتريني الخوف دون أي تفسير. لم أسمع أي إشارات مريبة لدخول أي لص إلى الطابق السفلي، أو صوت المياه وهي تتسرب من الأنابيب. لم يكن هناك أي داع للفزع، لكنني كنت خائفا. ودون أن أطيل التفكير نهضت ومشيت إلى النافذة. لا أعرف لماذا فعلت هذا. رفعت الستارة بمقدار بسيط بما يكفي لأطلّ برأسي من خلالها، وحدقت نحو باحتي الخلفية التي أنارها ضوء القمر.

كان يجب أن أظل نائما.


رأيت في الخارج مهرجا يقفز حول حديقتي. وكان لباسه عبارة عن قميص به أكمام وياقات مكشكشة، وسروال فضفاض، وحذاءان طويلان. كان وجهه ملونا بالبياض ويعلوه أنف مطاطي أحمر كبير. وبلا شك فقد كان هذا آخر شيء أريد أن أراه في الساعة الثالثة صباحا.

كان المهرج يرقص في صمت تام، ويتحرك بخطوات لا يفهمها إلا طفل أو مجنون. كانت حركاته تؤرقني. شاهدت هذا الشيء وهو يدور في الحديقة بإعجاب يمتزج بالخوف، وأنا أحاول قصارى جهدي أن أتجاهل اللعاب الذي تجمد في حلقي. ظل يتحرك هنا وهناك، ويتوقف أحيانا ليلعب بأدوات الحديقة أو يشم النباتات. ثم مشى راقصا إلى شتلة البلوط التي زرعتها ثم اختفى. لا أصدق عيني. لم يكن ذلك ممكنا. مشى خلف النبتة النحيلة ولكنه لم يخرج الجانب الآخر. كان يجب أن يكون أمام نظري طوال الوقت، ولكن هذا لم يحدث. كما لو أن المهرج دخل بابا خفيا بجانب الشتلة.

كان يجب أن أظل نائما.

كنت آمل أن كل هذا لم يكن سوى حلم مزعج. فالتظاهر بأن شيئا لم يحدث أسهل من الحقيقة. إلا أن المهرج عاود الظهور مجددا. كنت أشاهده ليلة تلو الأخرى وهو يرقص في حديقتي، ومن ثم يختفي بنفس الطريقة عند نهاية كل ليلة. فإحدى الليالي اختفى وراء مجرفة، ليظهر بعد ثوان من وراء ماكينة جز الحشائش.

أما الليلة فوجدته يحفر حفرة في وسط الفناء. لم أره قط يفعل شيئا مثل هذا، وأول ما دار بفكري أن هذا المهرج يحفر قبري. ظل المهرج يحفر أعمق فأعمق حتى وصلت قمة رأسه لمستوى سطح الأرض. حالما انتهى المهرج من الحفر، وقف على حافة الحفرة بلا حراك، وفجأة بدأ يحرك رأسه. خفق قلبي بقوة لدرجة أني أحسست بطعم كالنحاس في فمي. كنت على وشك الابتعاد عن الستائر عندما رأيته وهو ينحني ويقطف زهرة. وضع المهرج جذع الزهرة بين أسنانه وغرس المجرفة في الأرض قبل أن يمطّ حمالات سرواله بإبهامه ويبدي إعجابه بعمله وكأنه مزارع. في تلك اللحظة واصل قلبي خفقانه بقوة، لكنني كنت سعيدا أنه لم يرني بعد.

وكما لو أن ذاك الشيء يقرأ أفكاري، رأيته يستدير ويحدق في وجهي مباشرة. لم أظن أبدا أنني سأصلي لتصيبني نوبة قلبية. بصق الزهرة وركض نحوي، وحذاءاه الطويلان يتخبطان هنا وهناك. توقف على بعد أقدام من المنزل، وابتسم في وجهي بأسنانه البرتقالية القذرة وأشار إلى الحفرة ولوح إليّ بحماس، وكأنه طفل فخور باللوحة التي رسمها بأصابعه. تجمدت في مكاني، ولم يكن بمقدوري فعل شيء إلا أن أهز رأسي بالرفض.

اختفت الابتسامة من وجه المهرج، وحك رأسه كما لو كان مستغربا. ثم مشى نحو الحفرة وأشار إليها بإصبعه مرة أخرى. كنت أود أن آمره بالغروب عن وجهي لو استطعت. وقف هناك لحظة قبل يتصرف بحماس كما لو أنه وجد فكرة. ثم رقص نحو المجرفة واختفى وراءها. حدقت بملء عينيّ على أمل أن يظهر مجددا في الساحة مثلما كان يفعل دائما. كنت أصلي في صمت أن يحدث هذا، حتى أتت اللحظة التي سمعت فيها صرير باب خزانتي وهو يُفتح.

كان يجب أن أظل نائما.

القصة:Midnight Dancer
الكاتب الأصلي: Mr.Baubas

ترجمة:Mr. Beshebbu

هناك تعليق واحد: