اسطنبول
أغسطس
09:12:09 ص
أنا عند مقهى صغير في الهواء الطلق على بعد بضع مئات من الأمتار من زحام السوق الصباحي، ومضيق البوسفور يقع على مرمى بصري. أحب هذه المدينة بكل تناقضاتها.
أنا مدين لكم بشرح وحتى بتحذير. إذا استمريت بما خططت له، فسيذمّني الجميع ويسيئون فهمي. أرجوكم أن تصدقوني، فأنا أفعل هذا لخير الجميع. قد لا تدركون الأمر الآن، ولكن بعد عشرة أو عشرين عامًا، سترون عالماً يولد من جديد. هذا يستحق كل تضحية أقدمها.
أنجزت عملي هنا في اسطنبول، أول مدينة من بين عديد المدن العظيمة، وسأصعد إلى الطائرة غدًا. لا تتعبوا أنفسكم بالبحث عني هنا.
سمرقند
سبتمبر
05:04:20 ص
أنا في إحدى أقدم المستوطنات البشرية في التاريخ، وأنا منبهر بعظمتها، كما يحزنني انحدارها. كانت ذات مرة جوهرة فتوحات الإسكندر وعاصمة إمبراطورية تيمور لنك، ثم أصبحت حالتها مزرية بسبب الهجر والإهمال. سامحوني على هذه الرومانسية الزائدة؛ ولكني رغبت برؤية هذا المكان مرة واحدة على الأقل.
لا لدي عمل هنا. كانت سمرقند ملتقى التجار بين الشرق والغرب، وهي الآن معزولة ولا قيمة لها لدي. لكن أشباح تاريخها وماضيها تمدّني بالقوة والعزيمة. هذه الحقيبة التي أحملها ثقيلة، لكن حملها يخف مع كل خطوة.
لقد سمحت لنفسي بارتكاب خطأ وتركت الشبكة للحظة، لكنني لن أطيل البقاء طويلاً.
ميونخ
سبتمبر
08:05:18 ص
لا تزال المدينة نائمة حتى وقت متأخر من صباح السبت، ولا تزال أغلب الشوارع خالية. هناك عَظَمة تتجلى في المباني ما قبل الحرب، وقد أشرت بجمالها على السائق. قال دون أي لمحة سخرية: "كانت أجمل كثيرًا قبل أن يقصفنا البريطانيون". كان على الأقل من الجيل الثالث بعد الحرب، ولم يبدُ أنه فهم، أو يريد أن يفهم، عندما أخبرته أن لندن عانت من نفس الأزمة.
يصاب معظم البشر بالرعب من شبح الحرب وما حدث هنا. يتساءلون كيف للإنسان أن يكون بهذه الوحشية. هؤلاء لا يعرفون شيئًا عن العالم أو الطبيعة، وعن حمرة الدم في الأسنان والمخالب. هؤلاء هم الذين اصطنعوا رفع البشرية فوق مرتبة الحيوان، ويبنون حاجزا هشا بيننا وبين بقية أشكال الحياة على الأرض. لم أفهم هؤلاء الناس أبدا.
وضعت جهازًا آخر في وسط المدينة، في مجمع مسرحي ضخم مبنيّ على أحدث طراز. أخفيته بعناية وضبطت الساعة الذرية الصغيرة على ساعتي. ستنطلق رحلتي في غضون ساعات قليلة، وإذا كنتم تتبعونني، فلن يحالفكم الحظ في ألمانيا.
لندن
أكتوبر
05:09:19 ص
تظهر جروح الحرب في لندن على شكل أبراج رمادية مسطحة تحوي مكاتب وشقق بسيطة، لكن عمرها وتاريخها يظهران وانا أتجول في نهر التايمز، وأنا بالكاد ألاحظ الرائحة العفنة للمياه. لا تحزنني القمامة والنفايات في النهر كما كنت أتخيل.
ترسمون خطًا في عقولكم بين غلاف الهامبرغر والأوراق المتساقطة بطريقة لن أفهمها. تميّزون بين الطبيعة والإنسانية بطريقة تحيرني. نحن الطبيعة، ومدننا وطرقنا وأقمارنا الصناعية لا تختلف عن مستعمرات النمل الأبيض أو أعشاش الطيور، ربما باستثناء الحجم. لا يوجد شيء فريد في الإنسانية. أعلم أنني لست وحدي من يفكر هكذا، لكن التاريخ والطبيعة سيثبتان أنني على صواب.
الأجهزة التي زرعتها موجودة تحت الأرض. وهي تنتظر بصمت على حين اليوم حيث أشغلها، وستفتح عبواتها الخزفية وتطلق حمولتها في الهواء. أفنيت العقد الأخير من حياتي مثل شمعة لأصنع السلاح المثالي، قوي وحيوي ويملك إرادة الحياة.
اخترت المحطات لأن الحروف الأولى من كل محطة تتهجأ اسمي. لكم أن تعتبروا الأمر توقيعا لفنان. لم أكن لأخبركم بهذا إن لم أضمن أن هذه المعلومات ستكون عديمة الفائدة، وأشك في أنكم قد اكتشفتم هويتي حتى.
وكالعادة سأرحل قبل وصولكم.
شيكاغو
نوفمبر
02:15:03 م
شيكاغو هي محور لحركة الطيران. يمر ملايين الركاب على طول خطوطها الألف المتقاطعة، ويسلبون هواء المطار من الأكسجين ويطرحون ثاني أكسيد الكربون. حتى في هذه الأنفاق الزجاجية والفولاذية المعقمة التي تطير في الغلاف الجوي، ما زلت أرى الطبيعة حية ومفعمة باللون الأخضر والأحمر.
أنا بحاجة إلى تمييز عملي. أعلم أن ما أفعله يبدو خاطئًا وشريرًا. ولكني أفهم أيضًا أن الأخلاق هي أداة صناعية استخدمناها لتوجيه السلوك الإنساني، وهي فكرة مفيدة لخلق الانسجام في مجموعات سكانية صغيرة وجعلها تنمو. لكن ليس هناك وزن حقيقي للخير والشر. الطبيعة أكبر من ذلك. لا يوجد شر في فعل الدبور الذي يزرع صغاره في يرقة حية. مفاهيمنا عن الأخلاق هشة مثل أجسادنا، وهي غير دائمة.
بضع أجهزة في أنظمة التهوية ستصيب الملايين. بإمكانكم البحث عنها إن أردتم، ولكن هناك شيء من التكرار في خطتي. لكم أن تجهدوا أنفسكم حتى العظم في محاولتكم لإبطال عملي، لكنكم ستفشلون. إن امتلكتم قدرا من الحكمة، فستتوقفون عن ملاحقتي وتبدأون الاستعداد للنزاع المحتوم في المستقبل.
طوكيو
نوفمبر
09:18:05 م
لا بد أن طوكيو تعتبر جحيمًا لمن يرون الطبيعة مجرد غابات أو جبال أو مياه نظيفة. بالنسبة لي فهي إحدى عجائب هذا العالم الطبيعي. أرى الأضواء المجنونة في روبونجي وهي مدهشة ونابضة بالحياة مثل وميض اليراعات. هذه هي الطبيعة، وإذا سمحت لي بلحظة، سأقول أن هذه هي الطبيعة في أروع حالاتها. لكن الطبيعة ليس لها قمة، فهي تنمو وتتعلم على الدوام أن تصبح أجمل.
كنت نائمًا لعقود عديدة، أعمل في مختبر لصالح شركة صيدلانية عملاقة. اسمها ليس مهما، فلن يساعدكم هذا في العثور عليّ، فقد تأخر الوقت كثيرا. أتمنى أن أقول أن هناك رؤيا للمستقبل أو درسا أشاركه معكم لتفهموا لماذا اخترت هذا الطريق للبشرية. لكن الحقيقة عادية: تدفق المال من اكتشافاتي منحني الوقت للتفكير، ولأفهم العالم وأنظمته. منحتني الأموال أيضًا الموارد اللازمة ألتصرف بأي قرار حالما أقرره.
العالم ينظّم نفسه. بعض الناس ينسبون الحقد لأفعال الإنسان، ولا يدركون أننا لسنا الجنس الوحيد الأول الذي يحارب ويبيد جنسا غيره. كم هذا غباء. هذه ليست خاصية للإنسان وحده. هناك أنواع أخرى سبقتنا قد استنزفت مواردها وزرعت بذور دمارها. إنهم ببساطة لم يعودوا بيننا فيكونوا نذيرا لنا. إما أن تعمل استراتيجيات التطور وتدوم إلى الأبد، أو لا تعمل وتموت الحيوانات. هذه هي القاعدة الوحيدة في الطبيعة. عش من أجل المستقبل أو ستٌدفن في الماضي.
يجب أن يكون واضحًا الآن، أنه رغم النمو السريع لجنسنا البشري، فلم نختر الاستراتيجية السابقة، وهي مسألة وقت فقط قبل أن ننهار.
لن أبقى واقفا. أنا جزء من الطبيعة كأي شيء آخر، وكذلك أسلحتي. سأكون المنظم. سنتكيف أو نموت. لكن تشجعوا: فمهما كانت النتيجة فإن العالم سيتحسن. وآمل من قلبي أن تنجو فلتروه وتدركوا أنني كنت محقا.
نشرت الأجهزة هنا بشكل عشوائي. أحدها مدفون في صندوق جذب انتباهي وأنا أسير في الشارع، وآخر تحت طاولة مقهى صاخب. العثور عليها سيكون مستحيلاً. من فضلكم، ومن أجل مصلحتكم، لقد ولى وقت الملاحقة والوقاية، وحان وقت الاستعداد.
سان فرانسيسكو
ديسمبر
00:00:00 ص
لم أتخيل أبدًا أن أبقى حتى الآن دون إصابة بعد أن بقيت معرضا له كل هذا الوقت. قمت بإطالة فترة سكون الفيروس لهذا السبب فقط، لأنال لنفسي المزيد من الوقت. لم أقم بإنهاء شبكتي كما تخيلت في البداية، لكن نماذج الاختبار تظهر أنني فعلت ما يكفي وأكثر. سأرتاح قليلاً الآن وسأحاول ألا أندم على دوري في هذا العمل. ليس أفعالي بالطبع، ولكن عدم قدرتي على رؤية ثمار عملي.
كانت البشرية ستموت بدوني. أصبحنا ناعمين وخاملين ولم نعد نصلح للحياة. ظللنا نغير البيئة ببطء حتى أصبح العالم نفسه سامًا لنا، وبعد ذلك سنختفي بهدوء. أولئك الذين يعتقدون أن الإنسان لديه القدرة على تدمير العالم يعملون في نفس ظل المركزية البشرية الغريبة التي تعتقد أننا منفصلون عن بقية مملكة الحياة. نعجز عن إنهاء العالم كما نعجز عن خلقه. لا يسعنا سوى قتل أنفسنا، ونأخذ معنا بضعة ملايين من الأجناس غير المستقرة. هل هذه هي النهاية التي تريدونها؟ نتسمم ببطء أو تغرق لأن جنسنا لا يملك بعد نظر؟
هذه ليس السبيل، ولن أسمح بذلك.
أيتها الإنسانية، أقدم لكم هدية عظيمة، رغم علمي أنكم لن تروها هكذا. سأعطيكم هدية المنافسة. ستعملون معًا، وستسخرون مواردكم معًا، وسيُعاد تشكيلكم في نيران الصراع والأزمات، أو تموتوا. ستولدون من شيء جديد، أو ستخصبون الحقول لمن يتنافس لاحقا على المساحة والموارد. لكنكم ستتغيرون. لا مفر من ذلك الآن، وهذا يجلب لي الفخر والفرح حتى عندما تنفسخ بطانة رئتي وأغرق في دمي الملوث.
تركتم لك شيئا. دليل أخير منسوج في هذه الحروف. قد يكون مفتاح خلاصكم. إن وجدتموه، فسوف يضعكم على طريق العلاج. أنتم تدركون أنه لا يمكنني إطلاعكم عليه بهذه السهولة، فهذا سيخرّب خططي وأهدافي بالكامل. صدقوني عندما أخبركم إنني أريد لكم الحياة، لكن يجب أن أدعكم تستعدون للنزاع الكبير الذي سيشكل حياتكم في القرون القادمة.
انتهى الأمر الآن. إذا ما زلتم ترغبون بالبحث عني فأنتم تضيعون وقتكم الثمين، فقد قمت أرسلت لكم بالفعل أي شيء قد يساعدكم. أما البقية فقد أحرقتها ومحوتها. سيتم إطلاق الأجهزة قريبًا. قريبا جدا.
لكن إن أردتم لسبب ما أن تروا أكوام اللحم والعظام والسوائل التي سأخلفها ورائي، فستعرفون مكاني. أنا المريض رقم صفر.
القصة: Zero
https://www.creepypasta.com/zero
الكاتب الأصلي: Josef K
ترجمة: Mr. Beshebbu
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق