راودني هذا الحلم مرة أخرى ...
استيقظت في وسط شارع فارغ. المدينة من حولي ميتة وغريبة. انتصبت ناطحات السحاب وهي متهالكة ومتداعية. وقفت السيارات الصدئة قرب الأرصفة المحطمة.
كان أحد هذه المباني أطول من غيره. يلوح في الأفق وكأن بنيانه يقف بمنأى عن الزمن. مجرد مبنى عادي، لكن خشيته بكل ذرة في داخلي. نظرت إليه وفكرت: "كل ما هو مروع وقبيح في الوجود يعيش في هذا المبنى"
لا أعرف لماذا اعتقدت هذا.
وجدت نفسي أسير نحو المبنى رغماً عني. كلما اقتربت أكثر، بدأت أرى مدخل المبنى. أرى لافتة فوق المدخل تومض بلون النيون الأحمر المشؤوم ومكتوب عليها "مستشفى".
كان مثل رسومات الأطفال. الطفل لا يعرف أن أماكن معينة لها أسماء خاصة بها. يقومون بتسمية مراكز الشرطة على أنها "مركز شرطة" فحسب، والمتاجر على أنها "متجر" فقط.
ضحكت عندما رأيت هذه العلامة (أو ربما بكيت). فقد دار في خلدي شيء واحد:
"المستشفيات لها وجهان. هناك طفل يبلغ العامين من العمر ويبتسم وهو يخرج بفرح من غرفة الطبيب ويضع ضمادة على كتفه وبحمل مصاصة في يده. ثم هناك الوجه الآخر، حيث لا يحصل الطفل ذو العامين على المصاصة، لكنه يحصل على خبر بأنه لن يعيش حتى يتناول حلوى أخرى".
وضحكت (أو بكيت) لأن هذا المستشفى به وجه واحد فقط. هذا ليس مكان للشفاء. إنها محطة توقف قبل أن تكمل طريقك إلى أبواب الجنة أو نيران الجحيم.
لا توجد وجوه مبتسمة في هذا المستشفى. لا يوجد أطفال يخبرون آباءهم أنهم صمدوا بشجاعة عندما تلقوا الحقن. أو زوجات يبشّرن أزواجهن أن هناك فرحة قادمة.
لم يكن هناك سوى آباء وأمهات يبكون بينما يضع الطبيب ملاءة بيضاء على وجه طفلهم. أو زوجات يبكين لأزواجهن لأنهن أجهضن للمرة الثالثة. حتى الأطباء هنا ليسوا من النوع اللطيف والطيب الذي نعرفه جميعًا. هم باردو المشاعر وبلا قلب.
"أنا آسف يا سيدي/سيدتي، لقد دخل أحباؤك في غيبوبة وتعين علينا أن نضعه على أجهزة دعم الحياة. اكتشفنا أن التأمين عندك لن يغطي هذا، لذا هل تسمح لنا بسحب دعم الحياة؟ أنت تكلف المستشفى أموالا".
بالطبع كان كل هذا من صنع خيالي. لا يوجد أحد في هذا المستشفى، سواء أطباء أم مرضى. لا أحد يعيش في هذا المكان الملعون.
بدأت قدماي تتحركان. شعرت بالرعب عندما أدركت أنني كنت أقترب شيئا فشيئا من الباب:
"يا إلهي، كلا! اقطعوا أطرافي واقلعوا عينيّ! أي شيء إلا أن أدخل هذا المكان". صرخت داخل رأسي، لكن ساقي لم تطعني.
وضعتُ يدي على المقبض وفتحتُ الباب. على الفور، ضربت أنفي رائحة كريهة. كانت مثل رائحة الأقحوان واللحم المتعفن. كأن شخصا حاول أن يخفي الأوساخ والقاذورات ويغطيها بمعطر جو رخيص.
أحسست بمعدتي تتقلب ثم تقيأت. استعدت السيطرة على قدميّ، استدرت لأخرج من الباب بسرع ما يمكن.
حدّقت مرعوبا عندما نظرت إلى الباب ولم أجده.
صرخت، ثم توقّفت. سمعت صوتا داخل رأسي:
"مرحبا، ما هو اسمك؟ هل أتيت لتزورني؟ أنا وحيد جدا".
بدا كصوت طفل وبدا لطيفا. لكنني أصغيت له أكثر بدافع الخوف، وسمعت صوتا خلف صوت الطفل. كان مرعبا، وكأنه صوت ألف روح معَذّبة ومتركزة في صوت واحد. كان صوتا ينمّ عن الجنون.
تكلم الصوت مرة أخرى:
"مرحبا هل ستقوم بزيارتي؟ أنا لست بعيدا. خُذ المصعد إلى الطابق الثالث عشر. أنا الوحيد هناك".
كرهت صوت الطفل. وكأنه يدقّ مسامير صدئة في أذنيّ ويصب كسرات الزجاج داخل جمجمتي. هذا الطفل هو السبب الذي جعل هذا المستشفى ميتا ومقززا.
ثم فقدتُ السيطرة على جسدي من جديد. تقدّمتُ نحو المصعد وانفتح بابه تلقائيا. دخلتُ فأغلق الباب على الفور، وأحسست بقلبي يتوقف للحظة. نظرت إلى لوحة المفاتيح فلم أجد سوى مفتاح واحد: الطابق الثالث عشر. من السخرية أن العديد من المصاعد تتجاوز الطابق الثالث عشر، أما هذا المصعد لا يؤدي إلا إليه.
شعرت بإصبعي يرتفع ويضغط على الزر. انطلق المصعد وسمعت هدير أسلاكه وهو يحملني. خشيت أن تنقطع الأسلاك وأهوي إلى حتفي. لكني تمنيت أيضا أن أقع إلى حتفي ولا أرى المريض في الطابق الثالث عشر.
ارتفع المصعد ببطء لما بدا كدهر ثم توقف برنّته المألوفة. فُتح الباب وخرجتُ إلى الممر. الهواء هنا بارد، وأحسست أن أحدا حاول إخفاء رائحة التحلل. الأنوار خافتة، والطلاء على الحائط متقشر. رأيت صرصورا يسرع خطاه إلى حفرة في الحائط، وتبعه جرذ بعد قليل.
الجدران خاوية من أي زينة، بل لم أرى بها أي أبواب.
استدرت إلى يساري ومشيت عبر الممر. توقفتُ أمام الباب الوحيد في هذا الطابق، عليه لوحة بها رقم 1303. تحت اللوحة قصيدة محفورة على خشب الباب. ربما تحذير حفَرَته روح ضائعة.
"هنا يقبع الشيء الشرير / وعلى الوحوش هو الأمير
السفاحون والمجانين هم اقرباؤه / إياك أن تحدق بالأسنان في فاهه
لا تقترب منه وإن أمكنك اهرب وابتعد
لا تفتح الباب ولا تدع الصوت يجذبك، فهو لك يستعد"
تمنيت لو أمكنني أن أتبع تلك النصيحة. أحسست بيدي تتحرك. لماذا يخونني جسدي؟ رفعت يدي الأخرى التي لا تزال تحت سيطرتي وقبضت على ذراعي الخائنة. تكلم الطفل ثانية:
"ما الذي أخّرك؟ أنا وحيد جدا، أرجوك ادخل".
لكنني سمعت الصوت الآخر بوضوح "أسرع. افتح الباب اللعين. أيها الوغد! سأقتلك وأقطعك إربا". كان يصرخ ويهددني. كان يثور مثل حيوان مربوط. أدركتُ أنه يريد الخروج.
شعرت بخوف لم أشعر بمثله في حياتي. سال العرق على عنقي الذي انتفخت عليه العروق. يدي اليمنى تصارع اليسرى لتمنعها من فتح الباب، وأحسست بيدي تتشنج وهي تنازع لتمنع يدي الخائنة.
"سيدي، أما زلت هناك؟ من فضلك افتح الباب. مر وقت طويل منذ أن زارني أحد". لكني فهمت الأصوات خلفه، "أيها الوغد، يجب أن تبقى مكانك. أيها الحقير افتح الباب".
أسمع تداخل صوت الطفل مع آلاف الصرخات فشعرت بالغثيان. اغرورقت عيني بالدموع التي سقطت على خدي. لم أعد أتحمل الأمر. صرخت وتركت يدي التي تمسك بمقبض الباب، فأحكمت الأخيرة قبضتها عليه. راقبت مقبض الباب برعب وهو يدور، وكان نقر لسان القفل عاليا جدا.
فتحتُ الباب ببطء ووقفتُ أمام السرير في وسط الغرفة.
في السرير يستلقي صبي صغير مريض. هناك أنابيب في فمه وحقن وريدية في ذراعيه. جهاز مراقبة القلب يقف بجانب السرير ويطنّ بوتيرة بطيئة. هل يملك هذا الوحش قلبًا؟
نظرت إلى الطفل وبدا مظهره طبيعيًا. لكنني أعلم أن ما في ذلك السرير ليس طفلاً. لم يكن حتى بشريًا.
فتح الطفل عينيه وكدت أنهار على ركبتي من الفزع. لم أرى عينين، بل قطعتان من مرآة مكسورة تم وضعهما في تجويفين مضرجين بالدماء. رأيت انعكاسي في تلك العيون، لكن ليس انعكاس صورتي الحقيقية.
رأيت صورة جسدي ملطخا بالدماء وقد تعرص للضرب، وعيني اختفت وصدري مفتوح ويكشف عن قلبي الذي لا يزال ينبض.
"مرحبًا يا سيدي، أنا سعيد جدًا أنك أتيت لتزورني ... الآن يمكنني أن آكلك".
اختفى الصوت الطفولي وتغير في منتصف كلامه. مزّق الوحش الأنابيب من فمه ليكشف عن أسنانه، ثم أكتشف أنه فمه يحوي صفًا بعد صف من الحقن التي تقطر بسائل غريب.
صرخت وصرخت لكنني لم أستطع التحرك.
اندفع الوحش من السرير ودفعني إلى الأرض ليضرب رأسي بالبلاط. كل ما كنت أفكر فيه هو: "أنت تشبه ابني كثيرا يا فتى".
استيقظت. نهضتُ من الفراش وجسدي غارق في العرق وأنا ألهث.
خرجت من غرفتي وذهبت إلى غرفة ابني وفتحت الباب. دخلتُ وسِرتُ إلى سرير ابني. انحنيت لأقبل رأسه وأؤكد لنفسي أنه بخير. ابتسمت له، وتلاشى كل خوفي.
استدرت لأغادر ولم ألاحظ أبدًا ابتسامة ابني وهي تكشف عن أسنان كالحقن وعينيه اللتان تبدوان كالمرآة.
القصة: Nightmare
https://www.creepypasta.com/nightmare
ترجمة: Mr. Beshebbu
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق