الجمعة، 1 أبريل 2022

الخوازمية

 

قضيت الليلة الثالثة على التوالي وأنا مكوّم فوق المرحاض بينما ترتجف أحشائي وأنا أتقيّأ كلّ ما أكلته، وأدرك الآن ما الذي يحدث: إنه يحاول تسميمي. لقد حدث هذا بسلاسة ووضوح حتى أكاد أضحك، لكن النوبة التالية من القيء تجبرني على التزام الصمت.

حل الصباح ورميت كل ما في المطبخ، ولففت القمامة ثلاث مرات في ثلاثة أكياس سوداء ودفنتها في عمق برميل القمامة، فأضمن أنها لن تقع في طريق أي عابر سبيل. خرجت من باب العمارة وقطعت نصف الطريق إلى المتجر في الزاوية عندما أدركت شيئا: إنه بلا شك يعلم أين أتسوّق.

اخترت اتّجاها ومشيت، وأنا أتمتّع بنسيم الشتاء البارد الذي يسكّن النار المتقدة في أحشائي. أنعطف في مسارات عشوائية، وأمشي في طرق لا أتبعها عادة، إلى أن أجد دكانا صغيرا ذو اسم غريب. أدخل وأتناول سلة بلاستيكية صغيرة وأملأها بعجالة. آخذ طعاما من علامات لم آكل منها من قبل، علب غريبة من مكونات أجنبية لا أعرفها، وأشياء أخرى لم أفكّر بشرائها يوما. حليب صويا. توفو. أحسّ بمعدتي من الآن وهي تنتظر وجبة غير ملوّثة.

أعدّ الوجبة وأنا أترقب بقلق، أحاول التركيز على التمتع بالروائح وصوت قرقعة الدهن على المقلاة. يبدو الطعام نظيفا، لكن هذا ما حدث مع كل الوجبات السابقة. أحاول إقناع نفسي أن الألم بداخلي ينبع من الخوف والقلق فحسب، ولكنني أعود لأجثم مجددا في الحمّام القذر قبل منتصف الليل، وألقي كل ما طبخته إلى المرحاض الخزفي.

جمعت ما تبقى من طعام في اليوم التالي، وتخلّصت منه بنفس الحرص. تناولت الطعام في الخارج ذلك اليوم، وأضفت دينا جديدا على بطاقة الائتمان في المطاعم على الجانب الآخر من البلدة.


إنه أذكى مما تصورت، وغمرني اليأس وأنا أقضي ليلة أخرى وأنا مؤرق وأبكي على أرضية الحمام. أتخيّل أن لديه خوارزمية كاملة، ونماذج تنبؤية تمكنه من أن يخطّط ببراعة لكلّ تحرّكاتي عبر المدينة. في كلّ مرّة أعتقد أنّني تحايلت عليه، أجد نفسي واقعا في شباكه.

أشتري لوح حلوى من آلة بيع في مسرح، وأحملها مثل تميمة. أصل إلى البيت، وأملأ الحمّام بقليل من الماء ذي اللون البني من أثر الصدأ، وأضع اللفة تحت الماء وأعصرها. أرى خطا رقيقا شبه خفي من الفقاعات يصدر من ثقب في الغلاف الواقي. في غشية الجوع، أغري نفسي بالمغامرة وأخذ قضمة واحدة فقط. مجرد مقامرة لا أربحها.

حل الفجر وأنا أقبض على بطني الفارغة. أتخيّل أتباعه يتسللون بصمت في المطاعم ويتحكمون بحياتي. يغرسون الإبر برفق داخل رزم مختارة من الغذاء الذي سأتناوله. يفسدون كل شيء بدقّة الجراح، ثم يختفون بين حشود المدينة. يسبقونني دائما بخطوة حتى أتعلّم كيف أفكر بطرق جديدة، وأبتكر مسارات أخرى داخل عقلي، ثم أرد عليه في لعبته. لهذا أخبر نفسي أن هذا ما يجب فعله.

أقضي اليوم الأول من حياتي الجديدة في غرفة الجلوس داخل شقّتي، وأنظّم أفكاري وأنا في جو نظيف ومعقم، وأحفظ ما عندي من طاقة في جسدي للهزيل.

يحل الليل ومعه السقم، ومع البرد تأتي الحبوب. نعم. الحبوب. أضحك وأتعجب لما يظهره من دهاء. أتخلّص من آخر أدويتي في المرحاض.

في يومي الثالث، أشعر بصفاء في ذهني وقد صدمني من كثافته، وطغى على تذمّري من الجوع. يجب أن أربح أو أموت. الطفح والقروح على خدودي أصبحت أعمق، وأحسّ بخلخلة طفيفة لأسناني داخل فمي الجاف عندما أطحنها وأنا متوتر. سيربح المعركة، لكن ليس طويلا. ما زال هناك وقت.

أجمع الماء من السقف في عدد من الدلاء الرخيصة. لابدّ أنه وضع إحدى أدواته الذكية في مكان ما في الأنابيب القديمة في هذا المبنى. مضخّة صغيرة جدا، تربض مثل مفترس وتُلقي محتوياتها الجهنمية إلى أنبوب الماء الرئيسي. يجب أن أتوقف عن الاستحمام. مجرد تضحية صغيرة. سيبقيني ماء المطر حيا لفترة أطول، لكنّي يجب أن أجد طريقة لآكل.

أتى الجواب من قطع أحجية صغيرة جمعتها معا خلال الأيام القادمة. أتلمس ضرسا متخلخلة أخرى من لثتي النازفة، لتنفكّ الأضراس من مكانها سوية. تناثرت الأسنان على المغسلة بصوت كدقّ الأجراس.

في المساء، بدأ عقلي الباطن بالعمل من جديد، أدور في المدينة بساقيّ الضامرتين المرتجفتين، وأنا أعلم تماما أنّه يراقبني. لكن هذا الحل بعيد حتى عن خياله.

أختار بيتا عشوائيا، وبعد ذلك أستدير وأختار بيتا آخرا عبر الشارع، في محاولة أخيرة لأربك الخوارزمية. أتحقّق من البريد. مجرّد عيّنة تكفي لأتأكد من أهم الحقائق.

تفاجأ الرجل المسكين بهذا الزائر، وتلوّى وجهه من الخوف وأنا أدخل عنوة. غمرني شعور بالذنب والندم وأنا أدفعه على الأرض وأضربه بسرعة بذراع العتل التي خبأتها داخل سترتي.

كلا.

يجب أن أبقى صلبا. هذا خطؤه. هو من جلبنا لهذا الجحيم، وهذا المسكين هو ضحية أخرى من ضحاياه.

أسرع بالعمل على قطع اللحم، وقد أفادتني ذكريات الصيد في الجبال خلال الصيف. أسمح لنفسي بأخذ لقمة أسلّي بها معدتي الذابلة. يضرب مذاق الحديد والملح المعدني داخل رأسي وأبكي من الراحة وكأنني طفل. جمعت اللحم داخل كيس، وأضأت شمعة في الطابق الأعلى من البيت الصغير، ثم أفتح الغاز عن آخره.

ابتعدت قبل أن أسمع قعقعة من بعيد؛ تتبعها مصابيح سيارات الإطفاء التي تلقي بنورها النابض على الغيمة السوداء في السماء.

أنام بعمق للمرة الأولى منذ أكثر من شهر، وجسدي يتعافى بسرعة بفضل الأغذية النقية التي تخترق كل خلاياي. لم أتعافى بالكامل حتى الآن، لكن بعد بضعة وجبات أخرى، أنا سأكون مستعدا لمحاربته. أعرف بأنّه بمقدوري هزيمته الآن. أعرف أن الخوارزمية تتوقّع أفعالي في الماضي، حيث ربطني قوانين وأخلاق العالم القديم.

ذلك العالم ميت.

أنا رجل حر.

القصة: The Algorithm

الكاتب الأصلي: Josef K.

https://creepypasta.fandom.com/wiki/The_Algorithm

ترجمة: Mr. Beshebbu

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق