السبت، 18 أبريل 2020

القمر الشاحب



في الخمسة عشر سنة الأخيرة أصبح من السهل جدا الحصول على ما تبحث عنه بالضبط، وذلك بالنقر على لوحة من المفاتيح. جعل الإنترنت كل شيء بسيطا جدا وأمكن تغيير الواقع باستعمال الحاسوب. ولا يفصلك عن المعلومات الوفيرة سوى محرك بحث، حيث يصعب أن تتخيل الحياة بشكل مختلف.

ولكن منذ جيل مضى، عندما كانت كلمات مثل 'streaming'  و 'torrent' تخص الماء فقط، كان الناس يجتمعون وجها لوجه لتبادل البرامج والألعاب والتطبيقات على أقراص مرنة ومعلّمة بأقلام الخطاط.

بالطبع، كانت هذه الاجتماعات وسيلة لأهل الحي ليتبادلوا الألعاب ذات الشعبية مثل كينغز كويست أو مانياك مانشن. ولكن بعضا منهم امتلك موهبة البرمجة وصمموا ألعابهم الخاصة وشاركوها مع الأصدقاء، والذين بدورهم شاركوها مع أصدقائهم، وإذا كانت هذه اللعبة ممتعة ومتقنة الصنع إلى حد ما، فستجد مكانا لها في مجموعات هواة الألعاب في كافة أنحاء البلاد. يمكن اعتبار هذا الأمر بأنه كان النسخة القديمة من "الفيديوهات الفيروسية".


من ناحية أخرى، نجد لعبة القمر الشاحب أو Pale Luna، والتي لم توزع خارج منطقة خليج سان فرانسيسكو. ضاعت كل النسخ المعروفة منذ زمن طويل، ودفنت كل الحاسبات التي أمكنها تشغيل اللعبة الآن تحت طبقات من الغبار. أثارت هذه اللعبة استياء من لعبها، ويرجع هذا لعدد من مشاكل التصميم الغامضة التي قام بها المبرمج.

كانت اللعبة من صنف المغامرات النصية ومن نمط ألعاب مثل زورك Zork والرعب المترصد The Lurking Horror، في وقت بدأ نجم هذه الألعاب بالأفول بسرعة شديدة. وعندما يشغل اللاعب البرنامج، فإنه يرى أمامه شاشة فارغة تماما، ما عدا مجموعة رسائل نصية:

- أنت في غرفة مظلمة. يشع ضوء القمر من النافذة.
- هناك ذهب في الزاوية، مع مجرفة وحبل.
- هناك باب إلى الشرق.
- الأمر؟

وهكذا بدأت اللعبة، والتي وصفها أحد الكتاب في إحدى مجلات الهواة، بأنها "غبية ومبهمة، وقابلية اللعب بها معدومة". حيث كانت الأوامر الوحيدة التي تستقبلها اللعبة هي التقط الذهب، التقط المجرفة، التقط الحبل، افتح الباب، اذهب شرقا، ويقرأ اللاعب أمامه التالي:

- احصد جائزتك.
- القمر الشاحب يبتسم لك.
- أنت في غابة. هناك طرق إلى الشمال، الغرب، الشرق.
- الأمر؟

الأمر الذي أغضب كل من لعب اللعبة هو طبيعتها المربكة وما بها من أخطاء برمجية – ذلك أن أحد هذه الاتجاهات فقط هو الصحيح. ففي حالة السؤال الأول، على سبيل المثال، فإن الاتجاه الصحيح هو الشمال، وأي اختيار آخر يؤدي إلى تجميد الحاسوب، ويتطلب الأمر إعادة تشغيله مجددا.

والأكثر من هذا، فإن الشاشات اللاحقة تكرر النص أعلاه فقط، مع اختلاف اختيار الاتجاهات. والأسوأ من هذا، أن الأوامر العادية في المغامرات النصية بدت عديمة الفائدة: كانت هناك ثلاث أوامر فقط تقبلها اللعبة: استعمل الذهب، الذي يجعل اللعبة تعرض الرسالة: ليس هنا. الأمر الثاني استعمل المجرفة، والذي عرض الرسالة: ليس الآن. والثالث استعمل الحبل، الذي يعرض النص: استعملت هذا بالفعل.

أغلب من لعب اللعبة تقدم شاشتين أو نحوه قبل أن يضجر من إعادة تشغيل الجهاز مرة تلو الأخرى ويرمي القرص بغضب. اعتبرها اللاعبون مجرد مهزلة برمجية. لكن هناك حقيقة واحدة حول عالم الحاسبات تبقى ثابتة مهما كان عصر تلك التقنية: بعض الناس لديهم من وقت الفراغ الكثير جدا.

قرر شاب يدعى مايكل نيفنز أن يرى إذا كانت هذه اللعبة تخفي أكثر مما ترى العين. قضى خمس ساعات ومرّت أمامه ثلاثة وثلاثون شاشة وهو يجتازها بالتجربة والخطأ ونزع القوابس، تمكن أخيرا من رؤية نص مختلف في اللعبة. كان النص في هذه المنطقة الجديدة كما يلي:

- القمر الشاحب يبتسم ابتسامة عريضة
- ليس هناك طريق
- القمر الشاحب يبتسم ابتسامة عريضة
- الأرض ناعمة
- القمر الشاحب يبتسم ابتسامة عريضة
- هنا
- الأمر؟

مرت ساعة أخرى قبل أن يحزر نيفنز العبارات الصحيحة لكي يتقدم في اللعبة؛ احفر الحفرة، ضع الذهب، ثم املأ الحفرة. جعل هذا الشاشة تعرض النص التالي:

- تهانينا
-- 40.24248 --
-- -121.4434 --

ثم لم تعد اللعبة تتقبل أي أمر، ما تطلب من اللاعب إعادة تشغيل الجهاز للمرة الأخيرة.

بعد التفكير والتروي، وصل نيفنز إلى استنتاج بأن الأعداد أشارت إلى خطوط الطول والعرض، وأدت هذه الإحداثيات إلى نقطة في الغابة التي تحيط بمتنزه لاسن البركاني القريب. وبما أن نيفنز امتلك من وقت الفراغ أكثر مما يحتاجه، فقد أقسم على أن يبحث في أمر اللعبة حتى النهاية.

في اليوم التالي عبر نيفنز المتنزه وهو مسلح بخريطة وبوصلة ومجرفة، ولاحظ أن كل منعطف مرّ به يتوافق تقريبا مع الاتجاهات التي سلكها في اللعبة. ندم في البداية على جلبه لأدوات الحفر الثقيلة بناء على حدسه فقط، إلا أن تشابه الطريق مع اللعبة زاد من شكوكه بأن الرحلة ستنتهي به أمام كنز مدفون.

انقطعت أنفاسه بعد أن عانى وهو يبحث عن الاحداثيات، قبل أن يرى أمامه بالصدفة رقعة تراب لا تستوي مع التراب المحيط بها. أخذ مجرفته وقرر الحفر وهو يحس بالإثارة، ولكن يكفي القول أنه صُعِق وعاد إلى الوراء عندما كشفت حفرياته عن رأس فتاة صغيرة شقراء، وكان الرأس متحللا للغاية.

أبلغ نيفنز السلطات فورا عن الأمر. تم تحديد هوية الفتاة بأنها كارين بولسن، العمر 11 سنة، وتم تقديم تقرير عن اختفائها إلى قسم شرطة سان دييغو قبل سنة ونصف.

بُذِلت الجهود لتعقب مبرمج اللعبة، إلا أن عمليات تبادل الألعاب والبرامج تمت بصورة عشوائية ودون طلب أي إثبات هوية، ما أوصل عمليات البحث إلى عدة نهايات مسدودة.

عرض جامعو الألعاب مبالغ بمئات الآلاف لمن يأتي بنسخة أصلية من اللعبة.

لم يُعثر على بقية جسد كارين.

القصة: Pale Luna
الكاتب الأصلي: Mikhail Honoridez
ترجمة: Mr. Beshebbu

هناك 3 تعليقات: