السبت، 12 يناير 2019

الأبواب

تبنّتني إحدى العائلات. لم أعرف أمي الحقيقية. أو بالأخرى كنت أعرفها في زمن ما ولكني تركتها وأنا صغير ولا أتذكر شيئا عنها. أحببت أسرتي الجديدة. كانوا لطفاء جدا معي. اهتموا بإطعامي، وعشت في منزل دافئ ومريح، وكنت أسهر حتى وقت متأخر.

اسمحوا لي أن أخبركم عن عائلتي بسرعة: أولا هناك الوالدة. لم أكن أدعوها أمي أو أي شيء من هذا القبيل. بل فقط أدعوها باسمها الأول. جانيس. لكنها لم تمانع على الإطلاق. كنت أدعوها بهذا الاسم لفترة طويلة، ولا أعتقد أنها لاحظت الأمر. كانت امرأة لطيفة جدا. وأعتقد أنها هي التي أرادت أن تتبنّاني في المقام الأول. كنت أسند رأسي عليها أمام التلفزيون وكانت تدغدغ ظهري بأظافرها.


ثم هناك أبي. وكان اسمه الحقيقي ريتشارد، لكنه لم يحبني كثيرا لذلك بدأت أناديه أبي في محاولة يائسة لكسب مودّته. لم ينجح هذا. أعتقد أنه بغض النظر عمّا أفعله فلن يحبني بقدر محبته لأطفاله. تفهمت الأمر ولم أصرّ عليه. وكانت أهم سماته هي صرامته. لم يتردد عن ضرب أولاده متى أساؤوا التصرف. أدركت هذا حتى قبل أن أتمكن من استخدام المرحاض. لم يتردد بصفعي على مؤخرتي. حسنا، أنا أسير على خط مستقيم بفضل أساليبه.

وأخيرا هناك أختي. كان إميلي صغيرة عندما تمّت عملية التبني، لذلك كنا في نفس السن ولكنها كانت أكبر قليلا. إلا أني أحببت أن أعتبرها أختي الصغيرة. كنّا متوافقين أكثر من أي أخوة آخرين. كنا دائما نسهر ونتحدث معا. كانت هي تتولى أغلب الحديث، وكنت أستمع لأنني أحبها. كان علاقتنا من أفضل ما يكون. لم نملك ما يكفي من غرف النوم، ولم أرد النوم في غرفة المعيشة عندما كنت صغيرا، لذلك كنت أملك حصيرة على الأرض بجانب سريرها. هذا هو محلّ نومي منذ ذلك الحين. ولكني استمتعت برفقتها، وكنت دائما أشعر أنني أحميها دوما.

تغيّر كل شيء في ليلة أربعاء رهيبة. كنت في المنزل أخذ قيلولة عندما فتحت إميلي الباب الأمامي. استيقظت بسرعة وانطلقت من الغرفة عبر الممر إلى غرفة المعيشة. تذكرت عندها أن اليوم كان الأربعاء. لم أكن أجيد تتبع الأيام. في الواقع فقد كان إحساسي بالوقت معدوما! ومع ذلك، كنت أعرف أنه الأربعاء لأن إميلي عادت لتوها من تجمع شباب الكنيسة. دخلت إميلي الباب الأمامي وعانقتني، ثم دخل أبي وجانيس.

"هل استمتعت بقيلولتك؟" قالت جانيس وهي تمازحني وتمسح شعري. هززت رأسي وشخّرت لأمازحها أنا أيضا.

نهرني أبي عن هذا بصوت حازم وسلطوي. أغلق الباب خلفه وعلّق معطفه.

"كنت أمزح..." زمجرت بصوت خافت. من المؤكد أنه لم يسمعني لأنني لم أشعر به وهو يصفعني. ثم انطلقت إميلي إلى غرفتنا ولحقتها. بدأت تحكي لي عن يومها... الأشياء المعتادة في حياة فتاة مراهقة. لكنني استمعت لها حتى تشعر أنها مُهمّة. قررت إميلي بعدها أن تذهب لغرفة المعيشة لتشاهد التلفاز، فقفزت على الأريكة وتركتها تبحث عن جهاز التحكم. تفرجنا على التلفاز معا حتى غربت الشمس. لم تكن إميلي تفضل مشاهدة الرسوم المتحركة المسلسلات، بل كانت تحب قنوات وثائقيات الطبيعة والحياة البرية. لم أمانع من مشاهدة هذه المحطات. وفي الواقع، كانت تلك القنوات الوحيدة التي تجذب انتباهي.

تأخر الوقت وأتت جانيس من وراء الأريكة. "حان موعد نومك يا إميلي. أقفلي التلفاز واذهبي إلى غرفتك". مشينا عبر الممر إلى غرفتنا. راودني وقتها شعور سيء.

ذهبنا إلى غرفتنا وأطفأت إميلي المصباح. أحسست أنني التقطت حركة بزاوية عيني. وكأن شيئا كان يتحرك عند النافذة، ولكن بمجرد أن وجّهت بصري صوب النافذة، اختفى ذاك الشيء. بقيت متأهبا من أجل أختي.

استلقيت في الظلام ولم يؤنسني سوى نور مصباح الشارع الخفيف. أقسم أنني سمعت أصواتا خفيفة من النافذة ... أغصان تنكسر ودوس على الأوراق الجافة واحتكاك الملابس. كما شممت رائحة العرق والدم وإن كانت خفيفة. أبقيت عينيّ مفتوحتين معظم الليل.

هدأت الأصوات في الخارج واختفت الرائحة. بدأت أشعر بالراحة وأغلقت جفنيّ.

لم يمض وقت طويل حتى سمعت صوت حطام عال في الجانب الآخر من المنزل. نهضت في لحظة وصرخت "هناك شخص في المنزل!" وأنا أحس بالأدرينالين يتدفق داخل جسدي. صرخت على إميلي أن تستيقظ. وبمجرد أن رأيتها تستيقظ هرعت إلى غرفة والديّ ...

وجدْت أبي ميتا. تم حزّ رقبته وانهمر الدم منها على السرير والأرضية. رأيت باب الحمام الرئيسي وهو مغلقا ورأيت رجلا يقف أمامه.

كان فظّا ضخم الجثة. التفت الرجل إليّ ورأيت وجهه الذي لن أنساه أبدا. كانت عيناه كبيرتان وتقطران بالشر. كان لحيته كثة ويقطر منها الدم. كانت ملابسه قذرة ووجهه باردا. ثم شممت رائحة العرق والدم ذاتها من قبل، ولكن هذه المرة كانت خانقة.

رآني الرجل وابتسم في وجهي بأسنانه الصفراء الملتوية. أصابتني هذه الابتسامة بالفزع. ظننت أنني سأموت، ولكن بعد ذلك عاد إلى باب الحمام غير آبه وجودي. تجمدت من الرعب ولم أعرف ما علي فعله. صرخت وبكيت. شاهدته وهو يحاول كسر الباب بكتفه والذي كان الحاجز الوحيد أمام أمي. شاهدته وهو يخرج موس حلاقة كبير. شاهدته وهو يحدث على جسدها الجرح تلو الآخر...

ثم سمعت شيئا؛ آخر شيء أريد سماعه ... كان صوت صراخ إميلي من ورائي. رفع ذاك الوحش بصره عن أمي وحدّق في أختي الصغيرة. كنت مذهولا. وقف الرجل وبدأ بالسير نحونا. استدارت أختي وهربت، وكنت في حيرة عندما تجاوزني واتجه نحوها مباشرة. لماذا لا تزال في المنزل؟ لماذا لم تهرب؟ لكنها لم تفعل، وأصبحت الآن تحت رحمته.

جريت خلفهما. توقعت أن يقتلها الرجل كما فعل مع باقي عائلتي، لكنني للأسف كنت مخطئا. أمسك ذراعها وبدأ يهزّها ليريها أنه المسيطر. قام بجرّها عبر المنزل ... كنت أصيح بملء حنجرتي على أمل أن يسمعني أحد ويأتي لمساعدتي. يجب ألا يأخذها. أي أحد إلا هي.

اجتازني الرجل ووجدت نفسي ملتصقا بالجدار وأنا أرتجف في رعب، "لماذا؟" لم يردّ عليّ إلا أنه ربّت بيده على رأسي. ابتسم مجددا بأسنانه البشعة وضحكته المخيفة. تبعته إلى الباب حيث جرّ شقيقتي العاجزة معه. فتحه وخرج، حملها معه ثم أغلق الباب خلفه.

أنا الآن جالس في المنزل مع جثة أبويّ الهامدتين، وأنا أرتجف من الفزع. أخذها معه، ولا أعلم ما سيفعله بها، وأنا عاجز عن فعل أي شيء. كنت سأنقذها لو استطعت، ولكن ما باليد حيلة. كنت سأطاردهم في الحال. ولكني أجلس هنا عند الباب الأمامي. ثم أنظر إلى مخالبي. لو أمكنني فقط أن أفتح الأبواب...

القصة: Doors
الكاتب الأصلي aCJohnson
النص الأصلي: 

ترجمة: Mr. Beshebbu

هناك تعليقان (2):