الأحد، 8 ديسمبر 2024

الرقم صفر

 

اسطنبول

أغسطس

09:12:09 ص

أنا عند مقهى صغير في الهواء الطلق على بعد بضع مئات من الأمتار من زحام السوق الصباحي، ومضيق البوسفور يقع على مرمى بصري. أحب هذه المدينة بكل تناقضاتها.

أنا مدين لكم بشرح وحتى بتحذير. إذا استمريت بما خططت له، فسيذمّني الجميع ويسيئون فهمي. أرجوكم أن تصدقوني، فأنا أفعل هذا لخير الجميع. قد لا تدركون الأمر الآن، ولكن بعد عشرة أو عشرين عامًا، سترون عالماً يولد من جديد. هذا يستحق كل تضحية أقدمها.

أنجزت عملي هنا في اسطنبول، أول مدينة من بين عديد المدن العظيمة، وسأصعد إلى الطائرة غدًا. لا تتعبوا أنفسكم بالبحث عني هنا.

 

سمرقند

سبتمبر

05:04:20 ص

أنا في إحدى أقدم المستوطنات البشرية في التاريخ، وأنا منبهر بعظمتها، كما يحزنني انحدارها. كانت ذات مرة جوهرة فتوحات الإسكندر وعاصمة إمبراطورية تيمور لنك، ثم أصبحت حالتها مزرية بسبب الهجر والإهمال. سامحوني على هذه الرومانسية الزائدة؛ ولكني رغبت برؤية هذا المكان مرة واحدة على الأقل.

لا لدي عمل هنا. كانت سمرقند ملتقى التجار بين الشرق والغرب، وهي الآن معزولة ولا قيمة لها لدي. لكن أشباح تاريخها وماضيها تمدّني بالقوة والعزيمة. هذه الحقيبة التي أحملها ثقيلة، لكن حملها يخف مع كل خطوة.

لقد سمحت لنفسي بارتكاب خطأ وتركت الشبكة للحظة، لكنني لن أطيل البقاء طويلاً.

 

ميونخ

سبتمبر

08:05:18 ص

لا تزال المدينة نائمة حتى وقت متأخر من صباح السبت، ولا تزال أغلب الشوارع خالية. هناك عَظَمة تتجلى في المباني ما قبل الحرب، وقد أشرت بجمالها على السائق. قال دون أي لمحة سخرية: "كانت أجمل كثيرًا قبل أن يقصفنا البريطانيون". كان على الأقل من الجيل الثالث بعد الحرب، ولم يبدُ أنه فهم، أو يريد أن يفهم، عندما أخبرته أن لندن عانت من نفس الأزمة.

يصاب معظم البشر بالرعب من شبح الحرب وما حدث هنا. يتساءلون كيف للإنسان أن يكون بهذه الوحشية. هؤلاء لا يعرفون شيئًا عن العالم أو الطبيعة، وعن حمرة الدم في الأسنان والمخالب. هؤلاء هم الذين اصطنعوا رفع البشرية فوق مرتبة الحيوان، ويبنون حاجزا هشا بيننا وبين بقية أشكال الحياة على الأرض. لم أفهم هؤلاء الناس أبدا.

وضعت جهازًا آخر في وسط المدينة، في مجمع مسرحي ضخم مبنيّ على أحدث طراز. أخفيته بعناية وضبطت الساعة الذرية الصغيرة على ساعتي. ستنطلق رحلتي في غضون ساعات قليلة، وإذا كنتم تتبعونني، فلن يحالفكم الحظ في ألمانيا.