الأربعاء، 15 يناير 2025

رجل الأسلاك

 


خططت لمشاهدة فيلم ليلة أمس، لكن لم يسنح لي فعل ذلك لأن صديقة لي تدعى جين طلبت أن أوصلها لحفلة شواء، ودعتني للحفلة مقابل التوصيلة. بإمكاني رؤية الفيلم في وقت آخر.

وصلنا إلى بيت ليندساي، حيث كان شريكاتها في السكن يدُرن هنا وهناك وينظّمن محتويات البقالة. اللحم هنا، والتوابل هناك، والشراب هنا، إلخ…

أبديت على ليندساي إعجابي ببيتها الجديد، إذ كان أكبر وأوسع وأكثر أمانا من السابق. ولكن علت وجهها نظرة حيرة.

“لا بد أنكِ تقصدين البيت في شارع ناشفيل، لأنكِ لم تري…”

“… البيت الآخر"، أكملت إميلي الكلام.

“إذا لا تعرفين قصة البيت، بين السابق الذي تعرفينه، وهذا البيت"، واصلت ليندساي كلامها.

وقفت مكاني وقد علاني الفضول بشأن نظراتهن المضطربة، فكان واضحا دون أن أتكلم أنني لا أملك أي فكرة. نادوا شريكة السكن الثالثة، وتدعى بريانا، ثم تبعتها جين.

تناوبوا في إضافة حكاياتهم، حيث أكدوا بعض التفاصيل وأضافوا أخرى، واتفقوا عليها جميعا مع تقدم القصة. وبدلا من أحكي لكم كل حكاية على حدة وأعيد التفاصيل، سأخبركم بمجموع الحكايات الأربع.

افترقت ليندساي عن شريكة سكنها السابقة في جادة كارلتون في نيو أورلينز، واجتمعت بفتاتين من المدرسة لم تعرفهما جيّدا، وهما بريانا وإميلي، وحصلوا على مكان جيد. كان البيت واسعا وفي موقع جيد وبإيجار زهيد، فكان صفقة رابحة لهم. هذا البيت، مثل أغلب بيوت الحيّ، يتجاوز عمره القرن تقريبا.

وصلت إميلي وليندساي لنقل أغراضهم إلى البيت، ووجدتا ملاحظة على أحد الأبواب، وهو باب أبعد غرفة من الباب الأمامي. كانت هناك ملاحظة من بريانا تخبرهم أنها وضعت يدها على هذه الغرفة، وهو ما أزعج الفتاتين.

ولكن قد نقول أنها نعمة لهم.

 

خلال الأسبوع الأول أو الثاني، كانت جميع الفتيات في البيت، وكانت ليندساي وإميلي نائمتان، بينما ظلت بريانا صاحية وهي مصمّمة على إنهاء الكتاب الذي كانت تقرأه. وصلت إلى الصفحة الأخيرة بين الثانية والرابعة صباحا وأغلقت الكتاب، واستلقت على سريرها ولكنها لم تحس بالنعاس. لم يكن الكتاب قصة غموض أو رعب، ولكنه كان ممتعا فأبقاها ساهرة.

أعادت الكتاب إلى الرفّ ورتبت المكان قليلا قبل النوم، وعندها بدأ المصباح فوقها بالوميض ثم انطفأ. أطفأت بريانا كلّ المصابيح حول الغرفة، وتركت واحدا على منضدة السرير.

لكن النوم ظل يجافيها، فنهضت مجددا وفتحت التلفزيون، ووضعت قرصا لفيلم كرتون، على أمل أن تنعس قبل طلوع الشمس.

سمعت ضربا على الحائط، ولم تعرف هل صدر الصوت من بابها أو من الجدار. خفّضت صوت التلفزيون خشية أن توقظ زميلاتها، واقتربت من زاوية الغرفة نحو مصدر تلك الضجة. لم يكن الباب أو الجدار، بل صدر من الخزانة.

لم تعرف بريانا وقتها أن خزانتها الكبيرة ملتصقة بالخزانة في غرفة إميلي، وليس بحائط غرفتها.

افترضت بريانا أن إميلي هي من كانت تدقّ، فعادت إلى سريرها في صمت. ثم عاد الدق الذي تردّد صوته في الغرفة. نهضت بريانا وغادرت غرفتها، لتجد إميلي في غرفتها تغط في نوم عميق، وجسدها ممدّد بعيدا جدا عن الحائط. ذهبت لغرفة ليندساي لتجدها نائمة أيضا، كما أن غرفتها بعيدة عن الحائط، ولو فعلت ذلك من مكانها لأوقظت البيت بأكمله.

عادت بريانا إلى غرفتها وهي لا تفهم ما حدث. أغلقت الباب وأطفأت التلفزيون وباقي المصابيح، ومدّت يدها إلى مصباح المنضدة الذي انطفأ حتى قبل أن تضغط على المفتاح. أرجعت يدها وهي متفاجئة، ثم مدّت يدها من جديد نحو المصباح الذي كان نوره يرتعش وأطفأته.

فجأة، انساب نور في الغرفة. اشتغل مصباح السقف وعاد إلى الحياة. ربما لم يتلف المصباح، بل لم يكن ثابتا في مكانه.

اعترى بريانا قلق شديد في الثواني القليلة التي قضتها وهي تسير نحو مفتاح النور. كان هذا مخيفا بالفعل، لكنه لم يكن بلا تفسير. قد تكون وصلات الكهرباء والأسلاك متهالكة في هذا البيت القديم، وعليها أن تتحدث مع صاحب البيت قبل أن تشتعل فيه النار فجأة.

بريانا طمأنت نفسها بتفسير عقلاني، واقتربت من المفتاح وأطفأته، ووضعت حدّا لرعبها. بدأت تعتقد أن النور المرتعش والمتقطّع جعلها ترى بعض الأشياء. مدّت يدها نحو المفتاح.

ثم رأت مفتاح النور وهو يصعد وينزل لوحده.

قفزت للخلف مذعورة، واستمر هذا لبضع ثواني ثمّ توقّف فجأة. وبعد لحظات قليلة، عاد صوت الدق في الظلام، وكان أعلى من السابق.

أخذت بريانا ما تقدر على حمله وخرجت من هناك حوالي الخامسة صباحا. لم تنظر وراءها، بل كانت خائفة لدرجة أنها لم تبلغ حتى الفتات الأخريات عما حدث معها.

تطلب الأمر وقتا حتى تم إقناع بريانا بالعودة إلى البيت، فلم يحدث شيء منذ خروجها، لكن بريانا لم ترد الاقتراب من تلك الغرفة أبدا، فنامت في مكان آخر في البيت. اقترحوا عليها أن تنام في الطابق الثاني بما أن الطقس جيد وذاك الطابق خالٍ لأن صاحب الملك لم يصلح فيه التكييف والتدفئة بعد. رفضت بريانا لأن العلية كانت مخيفة بنفس القدر، رغم أن الأحداث التي واجهتها لم تحدث إلا في غرفتها.

مرّت الأسابيع، واستقبلت إميلي بعض الزوّار في إحدى المناسبات، وكذلك فعلت ليندساي في مناسبة أخرى. لم يقضي الزوّار أكثر من ليلة واحدة في ذلك البيت، وتحدثوا عن أحلام غريبة راودتهم ورفضوا التحدث عنها، وراودهم خوف غير طبيعي عند المرور أمام غرفة إميلي.

قرّرت ليندساي تحرّي الأمر، ودخلت غرفة بريانا خلال النهار ولم تكتشف شيئا غريبا. ولكن أمعنت النظر في المكان الذي صدرت منه الضجة، واكتشفت شيئا آخر على الحائط بين تلك الخزانة وخزانة إميلي: فتحة كبيرة تكفي طفلا ليدخل ويخرج منها. تفحّصت الحائط عن قرب. كان الحائط مجوّفا، هناك فراغ بمقدار ثلاثة أقدام أو أكثر بين الألواح في نهاية الحجرتين. أشعلت ليندساي مصباحا على الفضاء الصغير، ووجدت بكرة كبيرة من سلك صناعي. رفعت المصباح لأعلى نحو السقف، واكتشفت أن التجويف يمضي مباشرة عبر الطابق الثاني وإلى العلية، وأمكنها أن ترى عارضة كبيرة في القمة.

احتفظت ليندساي بهذا الاكتشاف لنفسها لبضعة أيام.

بعد ليلة أو ليلتين، بدا الإنهاك يعلو إميلي، وقالت السبب قلة النوم، وأن كوابيس ظلت تراودها وتوقظها. قامت الفتاتان الأخريان بالضغط عليها حتى تحكي ما رأته، وكانت النتيجة صادمة.

جميع البنات الثلاث (وإحدى الضيفات) راودهن نفس الحلم. اتصلن بضيفتين أخريين ووافقن عندما سمعن التفاصيل:

رجل أصلع وعجوز، وهو معلّق فوقهم بأسلاك مرتبطة بظهره، وتمتد تلك الأسلاك فوقه إلى الظلام. ذراعاه تتدليان، ولم يكن مرفقه يتحرك، وكأنه يحاول بأقصى جهده أن يمدّ يده لأسفل. تبدأ ذراعاه بجلد وعضلات وأوتار، لكن تتحول تدريجيا إلى أسلاك. يظهر رجل الأسلاك فوق الحالم وهو يلوح بذراعيه يمينا ويسارا، ثم ينزل كما لو تم إخفاض الأسلاك من فوقه، ويقبض على حنجرة النائم بلهفة بيديه السلكيتين ويخنقه بقوة. يظهر للحالم وهو يبتسم، بينما هو يعاني ويموت في حلمه قبل أن يصحو.

رأى أغلب الحالمين هذه التفاصيل، وبعضهم رآها كما رويتها بالضبط.

اعتذر صاحب العقار بشدة ولم يشك بخوف البنات (ربما حصل هذا مع السكان السابقين ولم يُعلمهم) وعرض أن يجلب طارد أرواح. ولكن بما أن طاردي الأرواح معدودون على اليد، اتصلت البنات بثلاثة وسطاء أرواح لهم سمعة وذوي أجر عالي، واتفقن معهم على نصف الأجر مقابل نصف الخدمة.

كانت ليندساي حريصة مع الوسطاء، فلم تذكر لهم شيئا حول الغرفة أو الأحلام أو حتى موقع البيت الفعلي، إن رغبوا بتحري أمر المكان قبل القدوم إليه. جمعت ليندساي الوسطاء الثلاثة وأقنعتهم بقبول العمل بأقل قدر من المعلومات، وباقي البنات لم يفعلن شيئا سوى الاستماع.

دخل الوسطاء البيت وجميع الغرف، ولم يحسوا بشيء حتى وصلوا إلى الغرفة الأخيرة في الممر، حيث نظر الثلاثة إلى بعضهم في ضيق. بدأ أحدهم بالبكاء وخرجوا من الغرفة. أخذتهم ليندساي إلى غرفة إميلي، وليروا المساحة الصغيرة بين الحجرتين، (من الجانب الآمن ظبعا)، ونبّهتهم للفراغ بالأعلى. دخل الفريق إلى العلية المخيفة، ووجدوا العارضة الخشبية.

كان بها حز من أثر سلك مشدود، وفي الحقيقة كان يقع مباشرة فوق الفتحة الصغيرة.

اجتمع الوسطاء في غرفة الجلوس، وناقشوا ما شعروا به.

يظهر أنه منذ زمن طويل، هربت امرأة من زوجها وولدها الصغير. رفض الزوج أن يترك الطفل يخرج خشية أن يهرب، وأن السبيل الوحيد لعودة الأم هو بقاء الطفل معه.

في أحد الأيام، ملّ الأب من الانتظار وأقفل على ابنه في غرفة نومه وشنق نفسه. ربما استخدم سلكا وفعلها في تلك العلية، ولكننا لسنا متأكدين. ظن أن الأم ستعود من أجل ابنها. لكن هذا لم يحدث ومات الولد الصغير في غرفته عطشا.

لم يوضّح هذا أغلب ما يجري هنا، لكن الوسطاء واصلوا حديثهم…

"أحسسنا بحدوث تعذيب، وربما كان ذاتيا، لكنّي لا أعرف إذا حدث قبل زمن الرجل وولده، أو حدث معهما …  طرحنا العديد من أوراق التاروت، وكانت ورقة الرجل المشنوق تظهر في كل مرة. استعملنا 108 بطاقة وخلطنا الأوراق، وكانت تلك الورقة تظهر دائما".

عرض صاحب البيت مكانا ثانيا أكبر وأفضل وأرخص، وهو هذا البيت الذي يقمن فيه الآن.

قامت البنات بتحرّي أمر البيت قليلا، وهنا ما اكتشفوه:

(1) رأى الجيران ستّة مجموعات من المستأجرين تأتي وترحل خلال السنتين الماضيتين.

(2) زميلهم براين، الذي عانى من عدّة انهيارات عصبية في السنة السابقة، تبين أنه عاش في ذلك البيت وفي تلك الغرفة تحديدا لستة أشهر. صُدم براين عندما علم أن البنات عشن هناك. تذكّر حلم رجل الأسلاك بوضوح مخيف. تحسّنت حالته بعد خروجه من ذلك البيت.

(3) البيت شاغر حاليا.

 

القصة: The Wireman

الكاتب الأصلي: Stuntcock على موقع SomethingAwful

https://www.creepypasta.com/the-wireman

ترجمة: Mr. Beshebbu

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق